الصحوة – الدكتور حمد السناوي
منذ أسابيع حضرت للاستشارة فتاة في بداية العشرينات من العمر تعاني من العصبية والتوتر وتقلبات في المزاج ، تتعارك مع صديقاتها لأتفه الأسباب وتقضي معظم الأوقات وحيدة في غرفتها ، تظن الأم أنها تذاكر لكن تأتي النتيجة آخر الفصل الدراسي صادمة للجميع ، فقدت الشهية للطعام ونقص وزنها بشكل ملحوظ ، صعقت الأم عندما رأت علامات لجروح في ذراعي الفتاة ، بعد الكثير من الأسئلة أعترفت الفتاة بأنها تؤذي نفسها بالأدوات الحادة للهروب من “الألم الداخلي” ، لم تكن الجروح عميقة لكن السلوك كان يدعو للقلق .
دخلت الفتاة إلى العيادة مع والدتها التي لم تتجاوز الأربعين ، كان من الواضح رفض الفتاة لوجود الأم ، قالتها صراحة ” لن أتكلم إذا لم تخرج أمي من الغرفة”، اقترحت على الأم أن تبقى في الخارج وأن تنظم إلينا في نهاية الجلسة ، وافقت الفتاة على مضض ، في نهاية الجلسة إنظمت إلينا الأم وقمنا بمناقشة التشخيص و كيفية التعامل مع الأعراض بعدما تمكنت من إقناع الفتاة بذلك.
غالبا ما يأتي الشخص لوحده للاستشارة النفسيه لكن أحيانا يحضر أحد أفراد الأسرة الذين يهتمون لأمره وربما يلاحظون تغيرات في شخصيته وسلوكه يحاول المريض أحيانا إخفائها أو إنكار وجودها ، بعض المرضى يرحب بوجود الشخص الأخر لكن البعض يعتبر ذلك تهجما على خصوصياته ، فبعض المراهقين مثلا يخشى ألا يستوعب الوالدين مشاعره و يعتبروها “دلع بنات” والبعض الأخر يخشى أن يصبح ضحية للتمييز والعنصرية لأنه مريض نفسي ، حتى لو كانت الأعراض بسيطه ، ومع إحترامي لخصوصية المريض في إتخاذ القرار بإخبار الوالدين بمشكلته إلا إنني أفضل مناقش أسباب الرفض وإقناع المريض بضرورة الإفصاح خاصة في حالة وجود سلوكيات سلبية مثل إيذا النفس والذي قد يصبح طريقة للتعامل مع الضغوطات و ربما يتطور الى أفكار أو سلوك انتحاري ، أما اذا استمر المريض في الرفض فإنني احترم خصوصيته إذا لم يكن في هذا الرفض خطرا على حياته أو حياة شخص آخر.
المعضلة تكمن في تحقيق التوازن بين إحترام سرية المريض و ضمان سلامتة، لاشك بأن أغلبية الأهل يهتمون لامر أبنائهم و بناتهم حتى وأن لم يستوعب الأبناء هذا الاهتمام أو إعتبروه قسوة أو تحكم أو إعتبار المراهق جزء من ممتلكاتهم ،كما يقول البعض ، إلا أن غالبية الأهل يتمنون الخير لأبنائهم.
بقي أن نقول بأنه في حالة موافقة المريض على إخبار الأهل بالتشخيص يراعى أن تقتصر المعلومات على ما هو مهم وليس بإفشاء أسرار المريض فالغرض الأساسي في الإفصاح هو إشراك الاخرين في تقديم المساعدة والدعم النفسي و التعرف على الأعراض التي تستدعي إصطحاب المريض للمستشفى اذا ما تدهورت حالته.