الصحوة – الشيخ الدكتور سيف بن سالم الهادي
لابد أولا من معرفة حقيقة طالما غفل الناس عنها، ولم ينتبهوا إلى تبعاتها الدينية ولا الدنيوية، وهي قضية الأحكام !
إن أي عبارة يتحدث بها الإنسان عن الوقائع والأحداث أو حتى عن الأوصاف فيسند فيها أمرا إلى أمر إنما هي محمولات على موضوعات، وطريقة الناس في الاستدلال تعتمد على مقدمات مضمرة لا يشعرون بها في الغالب.. إضافة إلى وقوع المرء وهو يستدل في التناقض، ومن هنا كانت الآية الكريمة شديدة التنبيه على مسؤولية الكلام “ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا “.
وسوف أقوم هنا بتبسيط العبارات وشرح هذا الموضوع بطريقة تعليمية:
تابع معي هنا نموذجا مما ذكرت وفيه قياسان وتناقض واحد:
– تستعين الحكومات بالعلماء من أجل الاقناع
تتكون هذه القضية من مقدمتين إحداهما مضمرة .. وهي القضية المهمة في الإثارة وإرادة الإقناع.
سنقوم بتفكيك العبارة:
“العلماء طوع الحكومات لا ينطلقون من الدليل إنما من التوجيهات.. ولهذا تستعين بهم في الإقناع” هذا هو مؤدى العبارة.
القضية الأولى مفهومة من التركيب تتبادر سريعا إلى الذهن، بينما الثانية وهي محل الإشكال مضمرة في الحديث إذ بسببها يبيح العلماء أنفسهم لرغبة الحكومات على حساب الحق. وليس للكلام توجيه غير هذا.
لا تثبت هذه القضية المضمرة أمام السؤال، ولسوف يطالب المرء أن يبرهن حقيقة على صحة الاستدلال، ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن المرء ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا تهوي به في النار سبيعين خريفا”، إنها ليست كلمة عادية فالسب والشتم والإهانات دون قصد تكفرها الصلوات والطاعات “إن الحسنات يذهبن السيئات” لكنها قضية حكمية تترتب عليها مصائب لا حصر لها يكون الإنسان فيها سببا مباشرا للتبعات.
لقد مات بعض الآباء لأن أبناءهم يقولون بأن المرض مؤامرة، ومات آخرون لأن أبناءهم يقولون بأن الذي يذهب إلى المستشفى فسوف يموت، فالحكومات تستجيب للمؤامرة وتقتل شعبها.
من الذي قتل حقا؟ هل المرض أم المعلومات الخاطئة التي حالت بين المريض والوقاية والعلاج.
ماذا سيقول الإنسان لله عندما يسأله هذا السؤال: لماذا أخبرت عبدي بأن المرض غير صحيح؟ وأن المستشفيات تقتل الناس؟ من أين عرفت هذا؟
يقدم العلماء أدلة جزيلة عقلية ونقلية ولا يناقشون مصدر المرض عندما يحذرون الناس لأن التعامل مع الواقع لا يسمح بمناقشة الأسباب الفكرية (الأيديولوجية) إلا في الدراسات اللاحقة.. فلو شب حريق في مكان فهل من العقل أن يتم البحث أولا في مسبب الحريق؟!
تبقى قضية المؤامرة فرضا عند الكثيرين لكن المنهج العلمي يقتضي أن تتوالى الملاحظات حتى يتحول إلى فرضية ثم تستخدم المعايير العلمية حتى تتحول إلى نظرية.
ويعد انطباق المعايير على النظرية دليلا أوليا، لكن المنهج الاستقرائي يفرض علينا في مثل هذه الحالة أن ننتقل إلى التجربة فهي الوحيدة التي تستطيع إثبات المرض والدواء .. ومن هنا كانت التجارب السريرية أحد معايير الصدق في ثبوت جدوى اللقاح، ومع تطور العلم وسهولة متابعة المتبرعين تتقدم النتيجة طردا وعكسا .. ولا زلت أتساءل مع هذه الخطوات ما إذا كانت الشعوب العربية ستوافق على التطوع للتجارب السريرية أم لا .. فمن شكك في اللقاح كيف يقدم نفسه طواعية للتجربة .. المسألة كما يبدو شديدة التعقيد وتحتاج إلى تهيئة ثقافية طويلة.
تتشكل المعرفة لدى الانسان بداية بالحس، وفي موضوع المرض فإن السمع هو المصدر الرئيس فقد بثت الدوائر الغربية مقاطع كثيرة لعدد من الأطباء لم تعلن أي مؤسسة مسؤوليتها عنهم، لتبدأ عندنا ( نحن الشعوب المغلوبة ) مغالطة المصادرة على المطلوب على النحو التالي :
- فيروس كرونا مؤامرة
- لماذا ؟
- لأن الذين صنعوه يحبون إفساد البشرية
- ولماذا اختاروا صنع الفيروس ؟
- لأنهم يتآمرون على العالم ويريدون قطع نسله!
لا أثر لأي دليل في هذا الاستدلال إنما جعل المقدمة نتيجة والعكس
أما القياس الثاني فهو قياس فيروس كرونا على الخمور والتدخين، وهو نوع من قياس التمثيل إلا أنه قياس مع الفارق؛ لأن العلة في المقيس والمقاس عليه مختلفة جدا، فالذي جعل العالم يفزع إلى التحذير هو سرعة العدوى في المرض وخطورته المباشرة على الحياة، بينما لا توجد هذه العلة في الخمر والتدخين رغم تحذير الأطباء منها، وليس وجودها مباحة في الدول دليل على بطلان أي تحذير من نظائرها، فوجود اللصوص في أي بلاد لا يعني أن التحذير من الرشوة تناقض.
أما العبارة الأخيرة وهو أن الإعلام يحجب كلام العلماء في الخمر والتدخين فأحب أن أذكر الأخوة بأننا في سؤال أهل الذكر طرحنا حلقات خاصة عن التدخين وأسئلة كثيرة عن الخمر ولم يحجب الإعلام أيا منها ولم يأت نهي أو تحذير، فالاستدلال بهذا ليس مطابقا للواقع، وللعلم فإن لي في سؤال أهل الذكر عشرون سنة لم يأتني توجيه بشأن سؤال سألته أو سؤال سأسأله، أقولها للتاريخ ليعرف الناس بأن العلماء هنا أحرار الكلمة لا يخشون سوى الله.