الصحوة – د.حمد بن ناصر السناوي
رغم سنواتي الطويلة التي قضيتها في مجال الطب النفسي والتي تناهز السابعة والعشرين عاماً إلا إنني لا زلت أصاب بالدهشة عند الاستماع لبعض طالبي الاستشارة رغم حرصي على إخفاء هذه الدهشة ، حدث هذا مؤخرا عندنا حضر للاستشارة شاب في أواخر الثلاثين من العمر بدأ ملحوظاً أن وزنه فوق المعدل الطبيعي لكنه بدأ الحوار بقوله أنه خضعت لعملية تكميم المعدة منذ أعوام قليلة ، إستغربت من ذلك فحسب علمي بأن تكميم المعدة يشمل التخلص من جزء كبير من معدة الشخص مما يؤدي إلى الإحساس السريع بالشبع خاصة وأن المعدة المتبقية لا تتمكن من إحتواء كمية الطعام التي أعتاد الشخص على تناولها ، لاحظ المريض علامات الدهشة فبادر بالتوضيح قائلا بأنه يقوم بتناول الطعام عندما يعاني من الضغط النفسي والقلق ، خاصة الحلويات والشوكولاته ، و لأن معدته لم تعد تحتمل نفس كمية الطعام التي يشتهي تناولها تعلم طقوس جديدة مثل إبتلاع كمية كبيرة من الشوكولاته السائلة والمثلجات المخفوقة وكل ما يستطيع إبتلاعه دون مضغ ، ليس غريبا أن يزيد وزنه تدريجيا ليقترب مما كان عليه قبل عملية تكميم المعدة ،مما أدى إلى دخوله في دوامة من الإحباط الذي يعكر مزاجه فيلجأ لتناول الطعام لتحسين المزاج فيزيد وزنه وهكذا.
يرتبط الطعام بالصحة النفسية من نواحي عديدة فنحن نتناول أنواعًا معينة من الطعام خلال المناسبات الاجتماعية المختلفة بداية من الحلوى العمانية التي تناولها في حفلات الزواج والأعياد مرورا بكعكة التخرج و موائد الاحتفال بالحصول على ترقية ، ثم حفلة التقاعد، وهكذا تصاحبنا الموائد خلال محطات الحياة المختلفة لتعكس الحالة النفسية التي نعيشها ، حتى خلال جائحة الكورونا و رغم توقف العديد من المناسبات الاجتماعية لجأنا لتناول الطعام للتخفيف من التوتر والمزاج السيء بسبب الحظر و توقف اللقاءات الاجتماعية ، لذلك ليس غريبا أن تصدر دراسات علمية تشير إلى زيادة ملحوظه في أوزان الأفراد خاصة مع إغلاق الصالات الرياضية أو التقليل من ساعات العمل فيها ، و يعرف الأكل العاطفي باللجوء إلى تناول الطعام عند تعرض الفرد لما يعكر مزاجه فيقوم بالإكثار من الحلويات والشوكولاته والمكسرات التي تحفز إفراز هرمون السيراتونين في الدماغ وهو أحد هرمونات السعادة ، وقد نشر علماء النفس بعض الفروقات التي تميز بين الجوع العاطفي والحقيقي أهمها أن الجوع العاطفي يأتي فجأة على شكل رغبة قوية في تناول الطعام بينما يأتي الجوع الحقيقي بشكل تدريجيا ويمكن للشخص التحكّم به أو تأجيله ، وفي حالة الجوع العاطفي يقوم الشخص بتناول الطعام الغني بالكربوهيدرات والذي يحسن المزاج بينما في حالة الجوع الحقيقي يتناول أي نوع من الطعام ، وبينما يتوقف الشخص عن تناول الطعام بمجرد شعوره بإمتلاء معدته نجد أن الجوع العاطفي يصاحبه تناول كميات كبيرة من الطعام لدرجة الشعور بالتخمة الذي يتبعه شعور بالذنب والندم على الإسراف في تناول الطعام
فيما يلي بعض الإرشادات التي تمكنك من التعامل مع الأكل العاطفي:
• اتبع وسائل جديدة للتعامل مع الضغوطات النفسية مثل تمارين الاسترخاء أو ممارسة الرياضة أو الاستماع إلى الموسيقي أو أصوات الطبيعة
• احرص على تناول وجبات صحية خفيفة بين الوجبات الرئيسية التي تحتوي على الفواكة والمكسرات و تجنب المثلجات وغيرها من الأكلات الغير صحية
• تجنب الملل فهو من أهم العوامل التي تسبب الأكل العاطفي ، اشغل وقتك بالقراءة أو تنمية المهارات أو التواصل مع الآخرين
• ابتعد عن المغريات وتجنب تخزين الأكل الغير صحي في منزلك واستبدله بالمأكولات ذات السعرارات الحرارية القليلة
وأخيرا تذكر بأن الاستمرار في تحسين عاداتك الغذائية سيجعلك تصل إلى الهدف المنشود ،لا تستسلم ولا تستمع لأقوال المحبطين من حولك ، فصحتك الجسدية والنفسيه مسؤلياتك في المقام الأول.