الصحوة – مصطفى الشاعر
الأردن ذلك البلد العربي الأصيل بعروبته الذي تشكلت نواته بعد نهاية الثورة العربية الكبرى نتيجة تفاهمات إقليمية ودولية فرضتها نتائج الحرب العالمية الثانية والتي وضعت هذا البلد في محيط هو الأكثر لهيبا طوال القرن الماضي، كل ذلك جعل من هذا البلد فقير الموارد أن ينسج شبكة علاقات وتوازنات كانت مثل الترمومتر في المنطقة ويبني مؤسسات أمنية وعسكرية متينة قادره على الحفاظ على مكتسباته .
ما حدث في الأردن مؤخرا بأختصار كان نتيجة مواقف سياسية اتخذتها القيادة السياسية ضد خصوم الأردن (الصهاينة ومن يواليهم في الاقليم) والتي كانت مواقف تمثل الحدود الدنيا من التمسك بالثوابت العربية والإسلامية في الملفات العربية والملف الفلسطيني تحديدا ، ونتيجة لذلك فقد تعرض الأردن وما زال يتعرض لضغوط إقتصادية نتيجة هذه المواقف خلال السنوات الأخيرة ولو لا وعي الشعب الأردني بحساسية المرحلة لما استطاع هذا البلد المحاط بكم هائل من المشاكل أن يصمد حتى الان.
السيناريو الأردني ليس بعيدا عن بلادنا فهذا واقع يجب أن نواجهه بوعي وإرادة وبصيرة ، فتلك الحقيقة التي يدركها الجميع وممن تابع الأخبار التي تم الإعلان عنها أو حتى تسريبها خلال العقد الماضي في السلطنة يدرك أنها ليست ضربا من الخيال، ولولا يقضة الأجهزة الأمنية والعسكرية في السلطنة ووجود أرادة سياسية حازمة من قيادة البلاد بأن الداخل العماني هو خط أحمر لما وجدنا هذا الصمود في المواقف العمانية .
رغم ذلك ما زال يعتقد الكثيريين أن دور الأجهزة الأمنية في عُمان يتلخص في ملاحقة المختلفين مع الدولة والبحث عنهم لمحاسبتهم فقط، والحقيقة ، بل تجدهم في سباق وصراع مع متغيرات العالم والأقليم لقطع دابر كل التدخلات الخارجية التي قد تسعى إلى النيل من استقرار الأوطان لتحقيق أهداف مشبوهة، فبعد كل المواقف الحازمة والثابتة التي انتهجتها القيادة السياسية للبلاد تكون هناك محاولات أمنية خارجية دئوبة لضرب الاستقرار الداخلي لثني القيادة السياسية عن هذه المواقف وهو ما يواجه بالفشل نتيجة تفاني هذه المؤسسات بدورها .
لقد تعودنا دائما أن جزء كبير من الأحوال الداخلية للأوطان هي نتاج المتغيرات الخارجية، فهناك دول قد تبيع مبادئها وقضاياها الجوهرية لأجل تحقيق مكاسب فورية وقصيرة في حين هناك دول تصمد وتستند على وعي شعوبها لأنها تدرك أن التنازل عن المبادئ هو بداية الأنحدار والسقوط للدول ولو بعد حين، وهذا ما تمثل بشكل واضح في ملف التطبيع مع العدو الصهيوني على حساب المبادئ العربية والإسلامية في دعم القضية الفلسطينية.
نعم تبقى المدرسة العمانية من المدارس السياسية البراغماتية في تعاطيها مع المتغيرات الإقليمية في حين تقف عمان على مسافة واحدة من الجميع إلا أنها تبني مواقفها على المبادئ الأساسية التي وضعتها فقد تملك علاقات مع دول وكيانات تختلف مع مسارها السياسي جذريا ولكنها لا تبحث عن الأختلاف بحجم التوافق والنتائج وهو ما جعلها متوازنة في علاقتها الخارجية وهو الأمر الذي شكل هاجس للدول التي رأت في السياسة العمانية خطر على سياستها المشبوهة والطامعة خلف مصالح ضيقة على حساب قضايا الأمة والأوطان .
أن الأقطار العربية بعد فشل ما سمي بصفقة القرن أصبحت مهددة من زمرة بقايا حلفاء ترامب في المنطقة ولا نستبعد في قادم الوقت أن نسمع كثيرا مما سمعناه في الأردن في أقطار أخرى والواجب علينا أن نعد للأمر عدته وان نكون يقظين من ذلك فالأوطان وأمنها أمانة ومسؤولية عظيمة لا تقتصر على دور المؤسسات فقط بل تتعدى ذلك إلى كل الأفراد.
وبكل حال من الأحوال فهذا لا يعني أن تجعل الجهات الحكومية مثل هذه الأحداث حجة ومبرر وشماعة لكل فشل أو لقمع الأفكار والرؤى الجديدة فقد تعلمنا بما فيه الكفاية بأن التبرير الأمني لتعطيل مشاريع التنمية وخدمة المواطنين لها تبعات سلبية أكبر وهو ما نراه ضرورة وميزان يجب أن يتحلى به الجميع، وأن أمن الوطن الحقيقي هو في تلبية متطلبات الحياة الكريمة لكل من يقطن فيه مع الحفاظ على مكتسباته من كل عابث.
أخيرا ، هناك شعار يرفعه منتسبي القوات الخاصة في السلطنة ونتمنى أن يعمم في وعي كل أبناء هذا الوطن ، وطن لا نحميه لا نستحق العيش فيه، وعلينا أن نفرق بين الوطن والدولة والحكومة والمسؤول مثلما نفرق بين دين محمد ومن أتى بعده، أمن الوطن أمانة على رقاب الجميع ومسؤولية يتحملها كل فرد فلا تفريط ولا إفراط فيه، فالوطن أمانة ومسؤولية عظيمة، حفظ الله هذا البلد العظيم وكل بلاد البشرية من كل المؤامرات والفتن و أدام نعمة الأمن والسلام على هذه الأرض الطيبة.