الصحوة – د. محمد بن حمد الشعيلي
يحظى شهر رمضان الفضيل بخصوصية مميزة لدى جميع المسلمين في مختلف بقاع الأرض، كونه الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، وتظل أحداثه حاضرة في ذاكرة تاريخ الأمم والشعوب الإسلامية بشكل عام، وهو الأمر الذي ينطبق أيضا على التاريخ العماني، الذي شهد في هذا الشهر الكثير من الأحداث التي يصعب حصرها من خلال المساحة المحددة لهذا المقال، وهي أحداث تتوزع لتغطي جوانب سياسية معينة، أو أحداث ترتبط بشخصيات كان لها دور مؤثر في تاريخ عمان عبر الفترات الزمنية المختلفة، سواء كانت هذه الشخصيات مرتبطة بالجانب العلمي أم السياسي.
وفيما يتعلق بالجانب السياسي على مستوى الشخصيات، ففي الحقيقة بأن هذا الشهر ارتبط بوفاة العديد من حكام عمان، من أبرزهم الإمام اليعربي، سيف بن سلطان بن سيف (1692-1711م)، رابع أئمة دولة اليعاربة، الملقب بـ (قيد الأرض)، والذي وافته المنية بمقر حكمه في الرستاق في 4 رمضان سنة 1123ه، الذي يوافق 15 من أكتوبر سنة 1711م. وقد ترك الإمام سيف بصمة مميزة في تاريخ عمان من خلال أعماله العظيمة التي قام بها على الصعيد الداخلي، عندما شهدت عمان في عهده الكثير من المشاريع الاقتصادية والعمرانية بفضل الرخاء والاستقرار الذي توفر لها، الأمر الذي انعكس على قوتها العسكرية الكبيرة التي توفرت لها، وتجسد ذلك من خلال الحملات التي سيرها لمواجهة البرتغاليين في مناطق الخليج والساحل الغربي للهند وسواحل شرق أفريقيا، وهي الحملات التي كبدتهم الكثير من الخسائر، من أبرزها سقوط أحد أهم معاقلهم في الشرق الأفريقي، المتمثل في قلعة المسيح بممباسا، في حصار استمر 33 شهرا، خلال الفترة الممتدة من 13 مارس 1696م إلى 14 ديسمبر 1698م، وهي الحادثة التي أثرت على وجودهم في منطقة شرق أفريقيا وفي المحيط الهندي.
ومن جانب آخر فإن شهر رمضان يرتبط كذلك بحادثة مؤسفة في تاريخ عمان، والمتمثلة في اغتيال السلطان ثويني بن سعيد (1856- 1866م) على يد ابنه السيد سالم الذي تولى الحكم من بعده، وذلك بتاريخ 27 رمضان سنة 1282ه، الموافق 12 فبراير سنة 1866م، في قلعة صحار. وقد شهدت سنوات حكم السلطان ثويني حافلة في بدايتها الكفاح من أجل البقاء على وحدة الإمبراطورية العمانية بعد وفاة والده السلطان سعيد بن سلطان في سنة 1856م، وناضل السلطان ثويني من أجل عدم السماح بتجزئة شطري الإمبراطورية، ولكنه لم ينجح في الحيلولة دون وقوع ذلك، بفعل الضغوط الخارجية من قبل الإدارة البريطانية، ورغبة أخيه السلطان ماجد في الذهاب بعيدا في موضوع تقسيم الإمبراطورية، والانفراد بحكم زنجبار بشكل مستقل عن مسقط، وهو الأمر الذي تحقق في النهاية عبر ما يعرف بتحكيم اللورد كاننج سنة 1861م.
كما شهد شهر رمضان وفاة السلطان تركي بن سعيد (1871- 1888م)، وذلك في 24 رمضان سنة 1305ه، الموافق 3 يونيو سنة 1888م بعد تدهور صحته بسبب الكوليرا. وقد تمكن السلطان تركي في فترة حكمه من إعادة الهدوء والاستقرار مرة أخرى إلى الدولة العمانية بعد فترة شهدت الكثير من الاضطرابات والصراعات الداخلية، وركز كثيرا في موضوع تطوير الإدارات الإقليمية، وكان مما ميز عهده علاقته الجيدة بأخيه السلطان برغش بن سعيد حاكم زنجبار، وهي العلاقة التي كادت أن تثمر عن إعادة توحيد شطري الإمبراطورية العمانية مرة أخرى، برغبة جادة من السلطان تركي في تحقيق ذلك، ولكن مصالح الإدارة البريطانية وقفت عائقا رئيسا في ترجمة تلك الرغبة إلى أرض الواقع. وعلى صعيد العلاقات الخارجية، فقد تطورت في عهد السلطان تركي العلاقات العمانية الهولندية، وأثمرت عن توقيع اعلان تجاري بين الدولتين في سنة 1877م.
وأخيرا فقد شهد شهر رمضان المبارك كذلك وفاة السلطان سعيد بن تيمور (1932- 1970م)، وذلك في 12 رمضان سنة 1392ه، الموافق 19 أكتوبر سنة 1972م، بسبب نوبة قلبية كانت تعاوده بين الحين والآخر بمقر اقامته في العاصمة البريطانية لندن، بعد فترة حكم لعمان استمرت 38 عاما، شهدت خلالها عمان الكثير من الأحداث المثيرة التي انعكست على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها، والتي يأتي في مقدمتها حرب الجبل الأخضر (1957- 1959م)، واندلاع أحداث ظفار في سنة 1965م، وفي المقابل يحسب للسلطان سعيد بن تيمور نجاحه في إعادة توحيد عمان مرة أخرى في كيان سياسي واحد، بعد انقسام استمر بين الساحل والداخل، وهو الانقسام الذي كرسته معاهدة السيب في عام 1920م، وكذلك إعادة بسط السيادة العمانية على البريمي، وإعلان تصدير النفط العماني إلى الخارج لأول مرة في سنة 1967م.