الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
ع.س شابة في منتصف الثلاثين من العمر ، أم وزوجة ومديرة في إحدى الشركات الخاصة، متفوقة في عملها أتت إلى العيادة النفسية مؤخرًا وبدأت الجلسة بعد التعريف بنفسها بعبارة مختصرة “أنا هنا لتحسين صحتي النفسية”. لم تكن لديها مرض نفسي محدد مثل: القلق أو الحزن، فقط شعور غريب يراوده منذ فترة يحرمها من الاستمتاع بالحياة، فرغم التكريم الذي حصلت عليه منذ سنوات الجامعة، لا تزال تراودها الشكوك أحيانا بأن كل هذا النجاح “زائف” على حد قولها، ويوما ما سوف يكتشف من حولها الحقيقة.
في عام 1978 قامت الأخصائية النفسية بولين روز كلانس وزميلاتها وسوزان آيمس بوصف متلازمة المحتال وهي تشوه في طريقة التفكير عادة ما يصيب الأشخاص الاذكياء والناجحين فيصيبهم الشك في إنجازاتهم وذكائهم ويعتقدون أنهم كسالى رغم أن الواقع يثبت عكس ذلك ويفسرون النجاح على أنه ضربة حظ بدلا من كونه نتيجة للجد والاجتهاد، و يقومون بسلوكيات تعويضية مثل: الحاجة المتكررة لتفقد العمل وجودته، والبقاء في مكان العمل لوقت متأخر حتى وإن لم يكن داعي لذلك، والشعور المستمر بالشك في النفس والقلق بشأن اكتشاف الآخرين بأنهم غير جديرين بالمنصب الذي منح لهم، وجلد الذات واللوم المفرط للنفس عند حدوث أي فشل حتى وإن كانت الأسباب خارجية.
وتشير الدراسات أن أعراض هذه المتلازمة أكثر انتشارا بين النساء المتفوقات في مختلف مجالات الحياة كما تصيب الرجال، وتعددت النظريات في أسباب الإصابة بهذه المتلازمة و ترجح أغلبها دور التربية في إحساس الفرد بعدم الاستحقاق وأحيانا الخوف المفرط من الغرور والحسد، والتشجيع على التواضع المبالغ فيه وإنكار الذات، و يقترح علامات النفس تبني بعض السلوكيات التي تمكن الفرد التخلص من متلازمة المحتال وتشمل تشجيع الفرد على التعبير عن مشاعره عند التعرض لضغوطات العمل مثلا دون إطلاق الأحكام المسبقة أو إشعاره بضعف الشخصية وقلة الخبرة لأن هذه الأمور تجعل الشخص يشك في قدراته ويتقوقع على ذاته، كذلك يجب تحفيز الأفراد على تقبل الثناء من الأخرين دون الشعور بالحرج ومكافأة النفس على الإنجازات مهما كانت بسيطة وتجنب المسؤليات الإضافية التي تزيد من الشعور بالكأبة وعدم الاستحقاق، كما أن تطوير المهارات الإدارية، مثل: التفاوض، وإدارة الوقت، وتنمية التواصل مع الاخرين تزيد من ثقة الفرد من نفسه وتساعده على التخلص من هذا الشعور.
ورغم أن أغلبية الأشخاص يكفي أن تطمئنهم بأن هذه الأفكار ليس لها مجال من الصحة، يحتاج البعض إلى استشارة الطبيب النفسي أو الأخصائي النفسي الذي قد يوصي بالعلاج المعرفي السلوكي، الذي يساعد الفرد على التعرف على الاعتقادات الخاطئة وأنماط التفكير السلبية لديه وتصحيحها مما يساعد في تعزيز الثقة بالنفس وتقدير الذات والتعامل مع ضغوطات العمل بإسلوب صحي، وتقوم بعض الشركات الكبرى في الدول المتقدمة بتوفير خدمات الدعم والإرشاد النفسي التي يقدمها اختصاصي نفسي متخصص في علم النفس المهني والذي يعمل على التوفيق بين قدرات الأفراد والمهام الموكولة إليهم بدأ بإختيار الشخص المناسب للوظيفة المناسبة خلال المقابلة الوظيفية ومرورا بتمكين الفرد من اكتشاف مواهبه وتطوير ذاته خلال تسلقه للسلم الوظيفي وتحقيق التوازن بين الوظيفة والحياة الأسرية قدر الإمكان حتى إذا حان الوقت للتقاعد و مغادرة مكان العمل لايشعر الفرد بالأسى و بإن الوظيفة إستنزفت شبابه وحياته وهو ما يحدث للعديد من الأفراد مع غياب ثقافة التقاعد وإدخار الطاقات والعلاقات الاجتماعية وعدم التركيز على إدخار الأموال فقط.
بقي أن نقول أن متلازمة المحتال قد تظهر لدى العديد منا خلال فترة من فترات حياته العملية لذا يجب على الفرد عدم تجاهلها أو الاستسلام للأفكار السلبية التي تعكر مزاجه وتحرمه من الاستمتاع بإنجازاته، تعلم أن تقدر ذاتك قبل أن تطلب التقدير من الأخرين.