الصحوة – د.حمد بن ناصر السناوي
تعجبني النقاشات الحوارية التي تجمعني بطلبة الطب والأطباء المتدربين ، فأحيانًا يتطرق أحد الحضور إلى موضوع متعلق بالأفكار المتعلقة بالصحة النفسية في المجتمع العُماني، ومدى صحتها ، في الأسبوع الماضي كان الحوار عن اضطرابات الشخصية بأنواعها المختلفة، و كيفية التمييز بين السمات الشخصية، و الاضطرابات؛ فلكل منا لديه خصائص معينة قد تنقلب إلى اضطرابات إذا زادت عن الحد وأحدثت تأثيرًا سلبيّاً على سلوك الفرد و نشاطه الاجتماعي، والمهني، وعلاقاته بمن حوله. طرح أحد الطلاب موضوع ” زوجوه ، يعقل ” وكيف أن البعض يرى أن الزواج يساعد في إصلاح بعض سلوكيات الشاب فيعقل ويستقيم خاصة إذا كان مستهترًا وغير متحمل للمسؤولية ، فمن المتوقع أن يستقيم هذا السلوك بعد الزواج.
تنتشر هذه النظرية في العديد من المجتمعات العربية ورغم أنه لا يوجد تعريف محدد لكيفية التزويج ، هل يقصد بها أن يتكفل الأهل بجميع مصاريف الزواج والحياة الزوجية؟ وماذا يعني مصطلح “يعقل “؟ وما هو الحل إذا لم يعقل بعد الزواج ؟
تنقسم الآراء في هذه النظرية فقد يرى البعض أن الزواج يجعل الشاب أكثر رزانة و تحمل للمسؤلية، ويرى آخرون أن هذه النظرية من أهم أسباب الطلاق المبكر، و تشتت الأسرة أو معاناة الزوجة التي تجد نفسها وحيدة تتحمل مسؤلية الأسرة والأطفال؛ لأن الزوج لم “يعقل” واستمر في سهراته اليومية وسفراته المتكررة مع الأصدقاء، وقد يصل أن يواصل اعتماده المالي على والده، أو الزوجة إن كانت تعمل؛ مما يضاعف تعاستها.
لست هنا ضد أن يعين الأهل في تكاليف الزواج فذلك من البديهي في ظل ارتفاع المهور و تكاليف الزواج ، كما أنني لست ضد أن يخرج الزوج في رحلات مع أصدقائه، لكن يجب أن لا تؤدي هذه الرحلات إلى إهمال الأسرة و تحميل الزوجة كل مهام المنزل و تربية الأطفال، و متابعتهم دراسيًا.
ورغم أن كلمة “يعقل” لا تعني بالتحديد أن يشفى من مرض نفسي إلا أن البعض يضيف ذلك للقائمة ، رغم أن المرض النفسي لا يتعارض مع الزواج في أغلب الحالات إلا انه ، ومن رأيي -الشخصي والمهني- أن من حق الطرفين أن يعرف بوجود مرض نفسي، وطبيعته قبل الزواج و له الحق بعد ذلك في إتمام الزواج من عدمه.
أذكر أنه قبل سنوات كان أحد مرضاي مصاب بمرض ثنائي القطب وكانت حالته مستقرة مع الأدوية إلا أنه وأثناء التجهيز للزواج آخذه الحماس ولم ينتظم في أخذ العلاج و أصابته انتكاسه لحالة الهوس حاد تطلبت إدخاله إلى المستشفى ولم يكن من الممكن أن يحضر حفل زفافه ، حاولنا إقناع الأهل أنه لا يستطيع مغادرة المستشفى وأن حضوره لحفل الزفاف سيؤدي إلى إحراج للجميع كون حالته غير مستقرة ، ولكن أصر الأهل؛ بأنهم قد دفعوا للقاعة واتفقوا على موعد الزفاف مع العروس وأهلها ومن الصعب أن يلغوا الزفاف دون إخبارهم بالحقيقة ، أخبرتهم بأن من حق العروس أن تعرف بتفاصيل المرض و سألتهم ماذا لو كانت العروس ابنتهم ومن تقدم لها يعاني من مرض نفسي ، بعد نقاش طويل وافقوا على بقاء المريض في المستشفى؛ ليكمل العلاج وقاموا بإحضار والد العروس إلى الجناح لمقابلة العريس والتعرف على تفاصيل المرض ، بعد أسابيع تحسنت حالة الشاب وأقيمت حفلة الزواج، وبحمد الله استقرت حالة الشاب و حرصت زوجته على حضور مواعيد العيادة معه والتعرف على تفاصيل المرض بعد موافقته و بعد عام أخبرني أنه زوجته ولدت طفلا وأنه في قمة السعادة.
أما عن نظرية زوجوه يعقل ، لعله من الأفضل إعادة صياغتها الى “عقلوه ثم زوجوه” بذلك نعينه على أعباء الزواج دون أن نساهم – دون قصد- في تشتت الاسرة.