الصحوة – ظافر بن عبدالله الحارثي
“لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة على العمل بالقانون”، هذا المبدأ هو المناط به عند الحديث عن شرعية الجزاء، والذي أصبح اليوم جزء لا يتجزأ من دساتير الدول، وبالرغم من ذلك لشريعة الإسلامية السبق في الإشارة عليه قبل كل المواثيق والقوانين الوضعية، فقد وردت الكثير من الايات الدالة على ذلك، منها قول الله عز وجل في سورة الاسراء: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا)؛ فلهذا المبدأ وظائف هامة تتمثل في حماية الحرية الفردية، والتحوط في التجريم، وتحقيق العدالة والردع العام.
إن الجزاء الجنائي هو ردة فعل المجتمع على الجريمة ويتكون من نوعان: أ/العقوبة، ب/التدبير الاحترازي؛ فالعقوبة هي الجزاء الذي يقرره القانون ويحكم بها القاضي الجزائي على المتهم الذي ارتكب الجريمة، أما التدبير الاحترازي فهو عبارة عن تدابير توقع على مرتكبي الجريمة بهدف منعهم من العودة للجريمة مرة أخرى.
وللجزاء الجنائي خصائص معينة تميزها، لعل أبرزها:-
1. أن يكون الجزاء الجنائي ذات إيلام، بمعنى تحمل المتهم معاناة أو ألم معين.
2. شرعية الجزاء الجنائي، أي أن يكون الجزاء الجنائي منصوص عليه في القانون لحماية المتهم من تعسف السلطة أثناء مواجهته.
3. شخصية العقوبة، بمعنى أنها لا توقع إلا على شخص المتهم الذي ارتكب الجريمة، بحيث إذ توفي المتهم سقطت العقوبة البدنية دون العقوبة المالية على اعتبار أنها دين في ذمة المتوفى.
4. قضائية العقوبة، أي أن يجب أن تصدر من قبل القاضي الجزائي، وبالتالي إذ صدرت عن قاضي مدني لا تعد عقوبة.
وعلاوة على ما سبق، يعد تفريد الجزاء الجنائي أحد الخصائص الهامة للجزاء والذي يقتضي أنه عندما يقوم القاضي الحكم بالعقوبة يجب عليه أن ينظر إلى جسامة الجريمة وكذلك إلى سوابق المتهم، بحيث يحكم بعقوبة تتناسب مع جسامة الجريمة وسوابق المتهم؛ ولتفريد الجزاء أنواع:-
أ) التفريد القضائي وهو أن يكون للعقوبة حد أدنى وحد أقصى وللقاضي سلطة تقديرية في توقيع العقوبة المناسبة بين الحد الأدنى والحد الأقصى.
ب) التفريد التشريعي ويقصد بذلك أن على المشرع عند وضع القوانين الجزائية أن يقرر عقوبة ذات حدين حتى يستطيع القاضي تطبيق مبدأ تفريد العقوبة.
ج) التفريد الإداري وهو الإفراج الشرطي الذي يقتضي بأن يفرج المتهم بعد قضاء مدة معينة من عقوبة السجن وذلك إذا كان حسن السيرة والسلوك خلال هذه الفترة.
تنقسم العقوبات بشكل عام إلى عقوبات أصلية وهي تلك التي يحكم بها القاضي في حال إدانة المتهم (كالإعدام، السجن، والغرامة)، وإلى عقوبات غير أصلية وهي تلك التي لا يحكم بها القاضي منفردا بل يجب أن يحكم أولا بعقوبة أصلية ثم يلحقها بها العقوبة الغير أصلية بحيث تكون إما تبعية أو تكميلية لها (كالمراقبة والمصادرة)، كما أن لكل نوع أحكام وشروط ترتبط بها وذلك على حسب الفعل المرتكب ومقداره والظروف المتعلقة بها.
في ختام هذه المقالة لابد من الإشارة على أن بالرغم من أهمية الإطلاع على القوانين الموضوعية (كقانون الجزاء) التي تنظم الحقوق وتحدد الواجبات وتبين عناصرها وشروط إسنادها للأشخاص، يجب على الأفراد أن يشملون في قراءاتهم القوانين الاجرائية (كقانون الإجراءات الجزائية) التي تبين طرق اقتضاء الحقوق وإجراءات حمايتها “فلا قيمة لحق لا يتسنى لصاحبه أن يحميه” حتى في حال عدم قيام نزاع.