الصحوة – الدكتور حمد بن ناصرالسناوي
منذ أيام نشرت إحدى الجرائد المحليه مقال بعنوان “ارجوك ،لا تنتحر” استهله الكاتب ببعض الحقائق والاحصائيات عن الانتحار والتي تظهر بأن إعداد المنتحرين في إزدياد وان الأرقام التي تنشر أقل من الواقع وهذا امرمتعارف عليه خاصة وان بعض الدول تعتمد وجود خطاب من الشخص كتبه قبل إنتحاره يذكر فيه أن سيقدم على الانتحار شرط لتسجيل الانتحاركسبب للوفاه ، وفي دول آخرى يتكتم الأهل على الانتحار خوفا من الفضيحة ، بينما نجد لدى حالات الإدمان مثلا قد يتوفى المدمن بعد تناول جرعة زائدة من المادة التي يدمن عليها ولا يستطيع الطبيب الشرعي التفريق بين نية الفرد في الانتحار اوخطأه في تقدير الجرعة التي يحتاجها للوصول إلى النشوة .
ذكر المقال بعض الدراسات التي تشير بأن الحد من سبل الوصول للانتحار مثل إقامة الجسور يخفض نسبته ، هذه دراسات قديمة نسبيه وتم العمل بها في العديد من الدول الا أن فعاليتها تتراجع بسبب إصرار بعض المقدمين على الانتحار في إستخدام وسائل قاتله يصعب التحكم بها .
يختم كاتب المقال حديثه بالوصول إلى الاستنتاج بأن الانتحار “جريمة ضد الانسانيه بشكل عام “،
وبأنه “لا توجد مبررات دينيه أو إجتماعيه أو عقليه تسمح بالانتحار لمجرد التعرض لحادث نفسي أو مادي أو مجتمعي ” ، هكذا وبكل بساطة يطلق الكاتب تصريحاته وكأن الشخص المنتحرلا تكفيه همومه ليقول الكاتب بتحميله أوزارالبشرية جمعاء .
رغم إحترامي الشديد لحرية الكاتب في التعبير عن رأيه لاكني لا أتفق معه في هذا الاستنتاج ، فخلال عملي كإستشاري في الطب النفسي وخلال رحلتي التي تناهز الستة والعشرون عاما عملت خلالها في بريطانيا وفي السلطنه وقابلت أشخاص بلغ بهم اليأس إلى محاولة الانتحار، لم نقم بتجريم أي منهم فهم بحاجة الى التعاطف والاستماع لهم ومحاولة مد يد العون لهم دون محاكمتهم على محاولة الانتحار ، أذكر أن أحد المرضى كان يعاني من الاكتئاب الشديد و حاول الانتحار بإحداث جرح عميق في عنقه بعد أن توارى عن الأنظار لكنه عندما شعر بالألم الشديد وشاهد تدفق الدم إتصل بزوجته التي هرعت به الى المستشفى وبحمد الله نجى من الموت ، حدثني بعد أن تحسنت حالته عن المشاعر المتضاربة التي إنتابته قبل أن يقدم على محاولة الانتحار.
في رأييي الشخصي لن يسهم تجريم الانتحار في حل المشكله لكنه قد يؤدي إلى نفور الشخص الذي تنتابه الأفكار الانتحارية من طلب المساعدة من المختصين في مجال الطب النفسي مما يؤدي إلى زيادة إحتمال إقدامه على الانتحار، فالمريض الذي يصل الى درجة التخطيط للانتحار يمر بصراعات عديدة منها الوازع الديني الذي قد يساهم في حد كبير في مساعدته على الامتناع عن إنهاء حياته لكن هذا الوازع يزيد وينقص خاصة عندما تميل كفة اليأس و يقتنع المريض بان لا جدوى من بقائه على قيد الحياة.
بقي أن نقول أن الانتحار سلوك معقد تعددت الدراسات البحثيه في معرفة أسبابه و محاولة تفاديه وتسعى العديد من الدول من توفير الخدمات التي تساعد المريض من تخطي الأزمات التي تدفعه إلى اليأس الشديد والتخلص من حياته ، ومن أهم هذه الخطوات مواجهة وصمة العار والأفكار المسمومة التي يروج لها الكثيرون بقصد او بدون قصد مثل فكرة أن المريض النفسي ضعيف الإيمان ، وأن الأفكار الانتحارية دليل على غضب الله وكثرة الذنوب.