الصحوة – شريفة التوبي
شاهين لم يكن عادياً، وما شهدناه لم يكن عادياً أبداً، كما قالت لي إحدى الصديقات وهي تصف ما شهدته في ليلة الإعصار، الرياح التي كانت تضرب النوافذ في غضب وتقتلع الأشجار وتُسقط الجدران وتحطّم السيارات وتأخذ في طريقها كل ما كان ثابت على الأرض لم تكن عادية. الأمطار التي كانت تهطل بغزارة مصحوبة بتلك العواصف، مُزمجرة دون رعد أو برق، فتُغرق الشوارع والطرقات وأسطح البيوت وأفنيتها لم تكن عادية. المياه التي كانت تتسرب من الجدران ومن فتحات النوافذ فتملأ صالات البيوت والغرف مبللة الأثاث كله، لم تكن عادية. تلك العاصفة المدارية وهي تقتلع البيوت من أساسها وتجرفها في وادٍ متلاطم الأمواج لم تكن عادية. كل ذلك الغرق الذي شهدته أعيننا وأحسّت به قلوبنا خوفاً وهلعاً لم يكن عادياً أيضاً، حالة الترقّب التي عشناها وأعيننا ملصقة على زجاج النوافذ ونحن نرى ما يفعله شاهين فينا وعلى أرضنا، عابراً كنهر جارٍ مغبرّ اللون ساحبٌ في طريقه كل ما يعترضه لم يكن عادياً.
الصرخة التي صرختها المرأة ” يا الله طاح بيتنا، يا الله…” لم تكن عادية، الدمار الكبير الذي خلّفه شاهين في السويق والخابورة لم يكن عادياً أبداً، بيوت تهدّمت، مواشٍ نفقت، مزارع اُجتثت أشجارها من جذورها، فيضان يعلو بأمواجه، موج فوق موج، أطفال فُقدوا، شباب جرفهم شاهين في وديانه وذهبوا إلى غير رجعة، أُمهات ثكّلت، زوجات ترمّلت، أباء فُجعوا بفقد أبنائهم، عائلات تعيش حالة من الذهول وشاهين خلّف في قلبها فقد وفراغ لا يعوّضه شيء أبداً.
لم يكن شاهين عادياً أبداً في مروره العابر وهو من الدرجة الأولى فقط، فكيف به لو كان من الدرجة الثالثة أو الرابعة. لم يكن شاهين عادياً والنداء تلو النداء ” ابحثوا عن غسّان لعلّه ما زال حياً، لعلّه ملتجىء بأحد الصخور أو متعلّقاً بغصن شجرة في جرف أو أي مكان كان”، لم يكن عادياً والقلوب تعتصر ألماً على الفواجع المصاحبة لما خلف جدار الإعصار وأمامه، لم يكن عادياً أبداً ونحن ننظر في عينه بين خوف ورجاء، متأهّبين متوكّلين محتسبين أمرنا لله رب العالمين.
وعند الشدائد تكُتشف صلابة المعدن من هشاشته، فشاهين الذي لم يكن عادياً كان التآزر والتعاون بين هذا البلد المتكافل لم يكن عادياً أيضاً، فجميعنا قلب واحد ويد واحدة وألم واحد، لم يألوا رجال الشرطة والقوات المسلّحة جهداً في عمليات الإنقاذ، خاطروا بأرواحهم لإنقاذ من هانت عليه روحه في لحظة نشوة ورغبة للمغامرة واستظهار وهم البطولة أمام شاهين، الإنسان العماني العادي البسيط لم يكن عادياً وهو يقدّم ما يستطيع من أجل أخوة له احتجزوا داخل الطوفان، ومن أجل آخرين هُدمت بيوتهم وأصبحوا بلا مأوى، فقدّموا المسكن والمال وكل ما في أيديهم في غير رياء ولا بحث عن شهرة، بل تبرعّوا في صمت وأحبوا بلادهم بلا ضجيج.
شاهين لم يكن عادياً حينما كشف صلابة معادن الرجال في نفوس العمانيين وفي المقابل هشاشة مشاريع كنا نعوّل عليها أن تصمد أمام تيار شاهين وأخوته، شاهين كشف لنا أننا لم نستفد من تجربتنا مع أخوته جونوا وفيت..، وكأن الهدوء الذي نعمنا به أنسانا الشدة التي مرّت بنا، ولم نستفق ولم نتذكّر إلا بشاهين يطرق علينا باب الغفلة التي كنا عليها، لنتحرّك فندير الأزمة بما أملت به علينا الظروف وما جادت به عواصفنا الذهنية.
ولأن شاهين لم يكن عادياً في زيارته وعبوره إذن علينا أن نستعد منذ اليوم لاستقبال أخوة آخرين له، فلا ندري ما سيحدث غداً. وقبل كل شيء علينا أن نقف على تلك المشاريع التي فضح شاهين هشاشتها ونراجع حسابتنا مع شركات لم تقم بواجبها كما كان يجب، علينا أن نشكّل لجنة دائمة لمثل هذه الظروف تتابع كل ما يتعلق بحماية هذا البلد من شر العواصف المدارية والأعاصير قبل أن تأتي وتعبر، كتوزيع الأراضي في غير مناطق الوديان، واشتراطات المباني وتصريف المياه..، وكل ما لم يخطر لي على بال في هذه اللحظة كوني لست على دراية بكل شيء، ولست ذات اختصاص ولكني موجوعة بوجع الجميع.. حفظ الله هذه الأرض الحنون من كل أذى وألبسها ثوب العافية والأمان.