الصحوة – سُعاد بنت سرور البلوشية
الشلي بمفهومه المتعارف عليه، أعني حين ننظر إليه كمصطلح ومعنى سمعناه منذ الصغر، فهو شيء عظيم وخطير بحسب روايات كبار السن الموجودين حولنا، وحين نربط هذا المعنى بما حدث خلال الأيام الماضية في محافظتي شمال وجنوب الباطنة، سنجد بأن التجسيم والتصوير الذي يسرده أجدادنا وأباءنا لما كان يحدث في زمنهم، هو صورة ومشهد متكرر لما شهدته ولايات صحم والخابورة والسويق وأجزاء من المصنعة وغيرها من محافظات وولايات السلطنة مع اختلاف طريقة التجربة، وليس هناك شك بأن جميع المواقف والأحداث تدفعنا في كثير من الأحيان للوقوف وجهاً لوجه أمام الحياة وبلا وسيط.
إننا نلاحظ والواقع يزيد هذه الملاحظة أن مثل هذه الأنواء قد وقعت وهي غير منقطعة، حتى يمكن أن يُقال بأننا لابد أن نتأهب ونستشعر وصول مثل هذا الضيف في أية لحظة، وعلى الرغم من مختلف التحذيرات التي أطلقتها كافة الأطراف ذات الصلة بالحدث، إلا أن الكيف لا الكم هو الذي ننشده ومن زاوية الدقة والوضوح والشفافية، فإذا ما حِيل بين إدراكنا للخطر واستيعابه وبين مدى التجاوب في اتباع التعليمات، فلأننا لم نستطع أن نرى الماضي ولا أن نستشعر القادم ولا نستقرأ الواقع، ومن هنا تأتي قيمة الإعلام وأهميته، ولكن أي إعلام وإخبار وتثقيف هذا الذي أعنيه؟، وهذا ما سيتم تناوله في مقالات قادمة.
وما دمنا في معرض الحديث عن الشلي، فإن والدتي (69 سنة من العمر) تقول: “كنا نسكن على شاطئ البحر في منطقة النعمى بولاية شناص، ونشاهد البحر بين السنتين إلى الثلاث سنوات يصبح لمره واحدة غبه، أي واسع وعميق وهائجاً ومنفعلاً مع تزايد ارتفاع الأمواج وبياض لونها وسقوط كميات كبيرة من الأمطار، فيردد الجميع: (الشلي ضارب اليوم) ويستمر الوضع لعدة أيام تصل فيها مياه البحر إلى البيوت سواءً المصنوعة من الطين أو سعف النخيل وفيها تتلف بعض الحاجيات كالفرش والحصران، ولكن لم يحدث أن شهدت انهيار للبيوت أو اختفائها بشكلِ تام، والشلي نكاية على أنه – يشُل – أي يُضعف ويُخرب ويُدمر فيحمل ويسحب بقايا كل شيء معه، واذكر بأن الشلي في إحدى المرات انقلب على شاحوف لأحد الجيران وفيه 3 شبان عُمانيين خرجوا للصيد، نجا منهم شخصين بعد أن تشبثوا وتمسكوا بالحطام لساعات طويلة ومرهقة، فيما تم فقدان شخص لازالت أصداء ذكراه بيننا حتى يومنا هذا، كأحد الذكريات المرة والحزينة، فما كنا نتصور بأن الشلي قد يبتلع الإنسان”.
إن الشلي كما وصفته أمي أعادني إلى شاهين وغيره من الأعاصير والأنواء المناخية الاستثنائية التي تعصف بنا بين عام وآخر، ولكنها إرادة التماسك والتجلد والصمود، هي التي تعيد ترميم وتصفيف الأشياء بداخلنا عملاً بمقولة “إلي ما يقتلك يقويك”.