الصحوة – سُعاد بنت سرور البلوشية
حكايات كثيرة جداً استمعت إليها وفي قلبي حزن عميق على ما آلت إليه أوضاع الكثير من العوائل والأسر القاطنة في ولايات الخابورة والسويق ممن وقعت في قلب الضرر والأذى المعنوي والمادي الذي خلفه إعصار شاهين، ولازالت هناك الكثير من القصص والحكايات التي لم يصلها واصل، ولم يسلط عليها الإعلام بإختلاف قنواته ووسائله.
لقد رأيت دموع الشياب والشباب وكذلك الصغار ذكوراً وإناثاً، والوصف عنه شعور جداً متعب ومؤلم، أحاسيس اصطبغت بشتى ألوان التعب والوجع، فما أقسى الفقد وما أقسى الخسارة وما أقسى الكسر والشرخ، بعد سنوات تعادلها من الصبر والتعب في البناء والتعمير والترميم والتجديد.
“بصمة وصبغة ثابتة تلك التي تركها شاهين مع حقائق مؤلمة” هكذا بدأ علي الغافري حديثه معي وعيناه تشع بالدمع أسفاً على خواء حياتهم ومكانهم وبيتهم الذي ترعرعوا فيه عقداً من الزمان، فيشير لي قائلاً: “بين ليلة وضحاها أصبحنا نرى أطلال ذكرياتنا والحسرة تعتصر قلوبنا على فراغ المكان من الحياة التي ألفناها، ولكن الحمدلله ولا بأس فهذا قدر الله وقضاؤه”، قالها وأنا أُدرك بأنه الوجه الآخر لعلي، ففي الأعماق وجه شديد الهشاشه والضعف.
فلم يتعمد أحدٌ منهم جلب الإساءة لنفسه وذويه، فقط هو قرار اتخذه الجميع للبقاء في منازلهم، والإيثار على عدم الخروج لمراكز الإيواء لعدة أسباب، فاندهشوا وهالهم منظر المياه وهي تصب من السماء صبا، كما قال حمد الغافري بوجه حائر: “رحل ربما سريعاً ولكن النتائج الكارثية التي تركها باقية، فلقد خسرت منزل العمر بعد أن إنهار جزءٌ كبيرٌ منه والجزء المتبقي غير صالح للسكن، فهو عرضه للسقوط بأية لحظة، وما حدث في تلك الليلة وصباحها فهو صادمٌ ولا يمكن وصفه، لم نكن نائمين ولكن ثقل الأفكار وشدة الأمطار وصفير الرياح واهتزاز البيت وبكاء الأبناء وصراخ الجيران ونداءات الإستغاثة من حولنا أفزعتنا، منظر غريب عايشناه للمرة الأولى في حياتنا”.
“موجوعون ولم يعد هناك شيء يدفعنا للبقاء، فبعد كل لحظات وساعات غياب الأمان والاستقرار، والصمت والبكاء والخوف الذي خيم ولا زال على القرى مع كثير من حكايات الانكسار بلا رجعة مستعدون لحياة أخرى، حيث لا قوة ولا طاقة لنا إلا بالله وبجهود الجهات المختصة في توفير مأوى يليق بكرامة هؤلاء المواطنين، وبما يخفف عليهم ثقل الهم الذي يحملونه”، هذا ما قاله سعيد الغافري وهو يستعيد توازن نفسه وقواها.
هي حكايات نسردها بلسان من عايشوا الخوف والبرد، أولئك الذين لازالت ترتعش نبرات أصواتهم فتزعزع نفوسهم، طمعاً وحباً في مشاركتكم الواقعه والمعاناة التي جاء بها شاهين، موصداً من وراءه الكثير.