الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
شهر نوفمبر ، عندنا نحن العمانيين ، ليس كباقي شهور السنة الميلادية ، بما يحمله من دلالات عظيمة ومعان كثيرة ، فهو بالنسبة لنا ليس مجرد شهر للاحتفال بالعيد الوطني كعادة الشعوب الأخرى في الاحتفال بأعيادها الوطنية.
هو شهر نوفمبر يحكي قصة نهضة كانت تبدو حلماً ، لكنها تحققت ، حُفرت كفاحها ونجاحها في ذاكرة الأيام عبْر كفاح مضنٍ دؤوب لم يعرف الكلل أو الملل ، كلّله الله تعالى بتوفيق من عنده في نجاحات ناصعة ، انحنَت لها جباه التاريخ تقديراً واحتراماً .
لم تبخل الأرض العمانية الطيبة ، ولم يتوان شعبها الأبيّ الأشمّ ، عن القيام بواجبهما ، فها هي صلالة تروي عروقها بصدق الهدف ونبل الغاية ، ولم تبخل على النهضة المباركة أن تتنازل هي – صلالة – عن سنة الخبز وغبّة النيل ، التي كانت تلقب بها لوفرة وتنوّع خيراتها .
ومسقط نهضة المجد والشموخ بعزائم الرجال ونضال الابطال ، وجلادة وصبر العمانيين في العمل ، احتضنت النهضة بالرعاية الكاملة ، وقصّت لهم رواية قلعتي الميراني والجلالي اللتَين اقيمتا بهندسة عمانية ، وبعرق العمانيين وجهدهم وإصرارهم الذي لم يتسرب إليهم ذرة من تلكّؤ أو وَهَن .
وتلقت نزوى بيضة الإسلام نهضة الخير ، بقمصان الأئمة وعمائمهم البيضاء التي تشع بعلوم الفقه الإسلامي وبالعدالة والمساواة الطبيعية ، وبالشجاعة التي تدحر كيد المعتدين.
أما صحار فقد كانت على الموعد ، فاستنهضت كل البطولات التي قامت على برّها وبحرها في صد غزوات الطامعين ، وهي التي تُعرف بأنها مسقط رأس السندباد الاسطوري، وبوابة شرق دهليز الصين ، أقسمَت أن تعود ليس فقط كما كانت بل وأكثر من ذلك .
ثم هاهي صور العفيّة منبع ومهد الأمجاد البحرية ، تبارك لنهضة العزة والكرامة ، وتمطر عليها من عبق بحرها ومن عزيمة أشرعة سفنها البحرية وربابنها التي جابت عوالم كثيرة ، ذكريات الماضي وأمجاده التليدة ، ليكون زاداً في بناء عمان الغالية ، وسيظل الكاسر والرحماني يصدحان طرباً ، بشقّان عباب الموج ، انتشاءً في حبّ عمان .
وتهيأت عبري الواعدة ، ملتقى القوافل وموطن الذهب الأسود ، كي تسخر كل إمكانياتها ومواردها الطبيعية لتضخها في خدمة نهضة الشموخ ، وستظل بوابة لمحافظات عدة تدفع بالتنمية قُدماً، وستظل عيونها مفتوحة على حدودها المجاورة لتكون بوابة للسلام والمحبة ، جالبة للتيسر لا التعسير .
وأكدت البريمي ومن حصن الخندق كل معاني البذل والإخلاص والوفاء ، والبقاء على العهد وأنها لن تستبدل يوماً من الأيام الغالي بالرخيص ، فالذهب يظل ذهباً لا يصدأ ولا يتغير بمرور الوقت ، وبغير صفات الذهب لن ترضى ولن تقبل .
وجبال مسندم ، حاضنة أهم ممرّ بحري وهو مضيق هرمز ، تطلق العهد والوعد من قممها الشامخة وبكل لغات ولهجات العالم، بأن تكون ضمن عقد اللؤلؤ المرصع بالالماس في نهضة الأمل المتجدد ، الذي سيعيد كتابة تاريخ وحضارة بلد شهد لها كثير من المؤرخين والجغرافيين والرحالة ، وتضمن العهد بأنّ جبال مسندم لن تكون إلا شهباً حارقة ، وأسنّة رماح مسمومة في وجه أي محاولة للنيل من أي شبر من عمان من شرقها وغربها وشمالها وجنوبها .
نعم شهر نوفمبر له دلالات تتجاوز فكرة الاحتفال ، فهو بمثابة وقفة تأمل وتقييم وتدقيق وفخر واعتزاز لما تم إنجازه ، وبالتالي استخلاص الجوانب الإيجابية لتوظيفها والبناء عليها في تحقيق إنجازات أخرى ، تصب في خدمة مصالح المواطنين ، كما أنه فرصة للوقوف على معرفة السلبيات لاستبعادها وتلافيها في المستقبل .
شهر نوفمبر ينتظره العمانيون ليشحذوا الهمم من جديد ويستنهضوا العزائم لمواصلة بناء دولتهم دون صراخ أو ضجيج مستلهمين في ذلك صدق وإخلاص ووفاء رجل هو أعز الرجال وأنقاهم ، كرّس جهده ووقته وعمره وصحته في خدمة عمان وشعبها ؛ حتى أصبحت دولة عصرية بكل مقاييس العصرنة والتطور ، رحم الله السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيّب الله ثراه وأسبغ عليه واسع رحمته وجزاه عن شعبه وأمته خير الجزاء .
واليوم في شهر نوفمبر من عام ٢٠٢١ ، ينظر العمانيون إلى سلطانهم وقائدهم وولي أمرهم ، الذي تنعقد عليه آمال الأمة وطموحاتها ليمضي بها نحو مستقبل أكثر إشراقاً وأكثر تطوراً ورهافية ، وهم موقنون تماما بأنّ جلالة الهيثم المعظم بعرش الحُكم لجدير ، وبالمهمة الملقاة على عاتقه لخبير ، وبالعمل على رفاهية شعبه لقدير ، فقد ثبت ذلك من اليوم الأول لتوليه مقاليد الحكم في السلطنة ، فجلالته يعمل ويوجه ويشرف ويتابع كل ما من شأنه تحريك عجلات التنمية ، ومن هنا فإنّ شعبه بكل اطيافه وشرائحه يعاهدونه عهد الولاء والوفاء للسير خلف قيادته الحكيمة ، بروح عالية وعزائم وثّابة ، ووحدة وطنية جامعة ، لحمتها مانعة لا تفصم عراها مهما اشتدت عواصف الزمن .
شهر نوفمبر بالنسبة للعمانيين شهر الأخبار الطيبة والبشارات الجميلة التي يتفضل بها سلطانهم المعظم ، فهو بهم رحيم عليم ، وهم له أوفياء طائعون تلهج قلوبهم قبل السنتهم بالدعاء له بدوام الصحة والعافية والعمر المديد ، وأن يحفظه الله قائداً مظفراً ، فها هو جلالته يصدر بالأمس أوامر سلطانية سامية تتعلق بترقية موظفي الجهاز الإداري المدنيين ، وتثبيت سعر الوقود في حده الأقصى على أن تتحمل الدولة الفارق ، وإنشاء وحدة مستقلة تتبع جلالته لتقييم وقياس أداء المؤسسات الحكومية ، بما يضمن استمرارية ورفع مستوى أدائها بالصورة التي تلبي احتياجات ومتطلبات المجتمع ، وغير ذلك من الأوامر السامية التي تصب في صالح المجتمع العماني وإسعاده .
وللحديث بقية…