الصحوة – المحامية منال بنت محمد المقبالية
اختلفت مسميات السجون على مختلف العصور لكنها ظلت المكان الذي يعاقب الإنسان المدان بالتجرد من حريته كوسيلة لمعاقبته، فالسجن كتعريف تم الاتفاق عليه عند الغالبية العظمى بأنه المكان المغلق المنعزل عن المجتمع يقيم فيه الشخص المذنب الذي يحرم من ممارسته لحريته فيه لتنفيذ العقوبة التي أصدرتها المحكمة بقرار من القاضي لإرتكابه انتهاكا أو جريمة ما بحق مجتمعه بخروجه عن القواعد القانونية والإجتماعية.
فمن هنا تم تحديد الوصف القانوني للجريمة بحسب ما تفرضه بشأنها النصوص القانونية من عقوبة وعليه تنقسم الجرائم تبعاً لتقسيم العقوبات، إلى ثلاثة أنواع هي:
1- القباحة ( المخالفة )
2- الجنحة
3- الجناية
ويحدد نوع الجريمة بمقتضى الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها في القانون وإذا كانت الجريمة معاقب عليها بالسجن والغرامة فيحدد نوعها بحسب عقوبة السجن.
يتمحور مقالي بالتحديد في جريمة المخالفة ورأيي بما يتعلق بإستبدال تلك العقوبة بعقوبة أخرى.
حيث عرفت المخالفة بأنها ارتكاب الفعل الخاطئ الذي لا يرتقي إلى حد الجريمة, وتعتبر أدنى الجرائم جسامة بالنظر إلى قلة الضرر المترتب عليها ، فالغالب منها يكون مخالفة لأوامر المشرع ونواهيه فيما يتعلق بتنظيم المرافق العامة ، وأداء وظيفتها في إنتظام ، والظهور في الأماكن العامة بصورة منافية للحشمة والآداب ونص القانون على عقوبات بالنسبة لها وهى : السجن (24 ساعة إلى 10 أيام) وغرامة لا تقل عن ( 10 ريال عماني) ولا تزيد على (100 ريال عماني) أو بأحداهما.
وقد جاء في قانون الجزاء العماني تقسيم العقوبات إلى عقوبات أصلية وعقوبات تبعية وتكميلية، لذا من وجهة نظري استبدال العقوبة لذلك الفعل الغير جسيم بالعقوبة التبعية بوضع الفاعل في الإقامة الجبرية وهي إحدى العقوبات المقيدة للحرية و تسمى أيضا الحبس المنزلي، والاحتجاز، أو المراقبة الإلكترونية وهو بديل اقل شدة من السجن ويكون تحت رقابة وإشراف الجهة المختصة عن طريق وضع سوار بالقدم يقيد حرية الحركة عبر تحديد مسافة معينه بداخل المنزل كسبيل المثال, حيث يقوم على فكرة مراقبة الخاضع عن بعد للتأكد من وجوده أو تغيبه عن المكان المخصص لإقامته أو عن الأوقات المحددة له بموجب قرار السلطة المختصة وذلك عن طريق الجهاز الإلكتروني المثبت في معصمه أو أسفل قدمه (السوار) حيث جميع الدول الأوروبية تتحرك باتجاه نظام المراقبة الإلكترونية بعد نجاح التجارب الإيجابية المتحصل عليها من هذه التقنية والتي أدت إلى تقليل المخالفات بشكل عام بين المجتمع وهناك أيضا توجه لبعض الدول العربية بإتباع نفس النظام وذلك لمواكبتها التطور التكنولوجي فيما يعرف بعصرنة العدالة مع إمكانية إستثناء بعض المحكومين في الجنح البسيطة واعطاءهم الفرصة لتحويلهم إلى أشخاص إيجابيين قادرين على ترتيب علاقاتهم الأسرية والمجتمعية.
وقد أوجدت المادة (57) من قانون الجزاء العماني الأساس القانوني لأنواع العقوبات التبعية والتكميلية التي يحكم بها ولا يمكن الحكم بعقوبات أخرى خارج هذا الإطار تطبيقًا للقاعدة القانونية ” لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”:
والعقوبات التبعية والتكميلية هي:
أ- الحرمان من كل أو بعض الحقوق والمزايا المنصوص عليها في المادة (58) من هذا القانون.
ب- المصادرة.
ج- منع الإقامة في مكان معين أو ارتياده.
د- الحرمان من مزاولة المهنة.
هـ إلغاء الترخيص.
و- إبعاد الأجنبي.
ز- إغلاق المكان أو المحل.
ح- حل الشخص الاعتباري.
ط- الوضع تحت مراقبة الشرطة.
ي- نشر الحكم.
ك- التكليف بأداء خدمة عامة.”
ومما لا شك فيه أن الإيداع بالسجون يمثل عبئاً نفسياً على السجين لما يتعرض له من ضغوط نفسية، و هذه الضغوط يختلف تأثيرها بإختلاف قدرة النزلاء من حيث قدرتهم على تحمل تلك الضغوطات، ويعتري السجين في شخصيته تغيرات نفسية متعددة، أبرزها ظروف تواجده في السجن وابتعاده عن الأهل مما يتعرض في أغلب الأحيان إلى إصابته بالأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق والعدوانية والانطوائية والعزلة، كما أن السجين يعيش عدداً من التغيرات الانفعالية والإحباط والخوف من المستقبل وفقدان الثقة بالنفس والآخرين.
أثبتت الدراسات أن الرقابة الإلكترونية لها فعالية مجدية في التخفيف من الآثار السلبية لتقييد الحرية وجعلتهم يمارسون حياتهم اليومية بشكل طبيعي بين أسرهم مما ترتب التقليل من فرص العودة للجريمة
عليه فإننا نأمل من القضاء اليوم إنتهاج ذلك النهج الحديث والذي وضع له المشرع الأطر القانونية وتطبيقه على أرض الواقع