الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
يصعب حصر دلالات نوفمبر بالنسبة للعمانيين ، فهو شهر الأحداث الجميلة والمنجزات العديدة الرائدة ، والمشاريع المختلفة الضخمة ، التي عمّت وانتشرت في مسقط العامرة ، أو في محضة الحبيبة ، في الدقم الصاعدة بمستقبل زاهر أو في رأس الحد ، المنطقة التي تحتضن الشمس في كل صباح قبل أي بقعة في العالم العربي ، وفي الأشخرة والجازر ومحوت ولوا وشناص وينقل وضنك وعبري ، وفي كل ولاية أو سفح جبل أو سهل من سلطنة عمان الغالية .
نوفمبر يذكّرنا بعام الشبيبة الذي خصصه السلطان الراحل ، قابوس بن سعيد بن تيمور طيّب الله ثراه ، إيماناً منه بأنّ الشبيبة هم عدة الحاضر ، وصنّاع المستقبل ، وقد برهن شبيبة عمان ولا زالوا يبرهنون في كل محفل ، بأنهم أهلٌ لحمل المسؤولية وأداء الرسالة ، وصوناً لأمانة الواجب ، وقد أدركوا بأنّ الأوطان لا تبنى إلا بسواعد أبنائها ، وبفكر شبابها المتقد بالحماس والرغبة الصادقة في البناء والعطاء ، من أجل عمان التي أحبوها حباً لا يضاهيه حب ، فبادلتهم هي حباً كحُب الأم لأبنائها حتى تجذرت العلاقة ، فانقلب الحب عشقاً جميلاً ، وها هو جلالة السلطان الهيثم المعظم يؤكد من جديد على إعطاء الشباب دوراً أكبر في التنمية ، فهم هدفها وعدّتها ، وعليهم أن ينهضوا ببلدهم ويأخذوا زمام المبادرة ويتقدموا الصفوف ، يزاحم بعضهم بعضاً، من أجل عمان وعزتها ورفعتها وتطورها .
شهر نوفمبر يعيدنا إلى تخصيص عامٍ للتراث ليس من أجل التغني والفخر بالقديم فحسب ، ولكن باعتبار التراث مخزون الحضارة والتاريخ والعادات والتقاليد والأعراف والثقافة ، وهي وإن مثلت الماضي لكنّ التاريخ الإنساني عبارة عن حلقات متصلة ببعضها ، إذا انفصلت إحداها اختلت الحلقات الأخرى ، وانفرط عقدها ؛ فالتراث بمفهومه المادي والمعنوي هو رصيد الأمة ، ومن يفرط في تراثه، فإنه لاشك سيفقد بوصلة مستقبله ويتيه مع التائهين ، ولربما يستنكف ويستنكر البعض هذا الكلام ، ولكن إن أمعن النظر في أكثر الدول تقدماً لوجدها متمسكة بتاريخها وحضارتها وتراثها ، بل واستمدت تطورها وتقدمها من مخزون إرثها الحضاري والثقافي .
وكم كانت سعادتي بالغة ، وانا أكتب هذا المقال كما سعدَ بها غيري ، ونحن نتلقى خبر إدراج إسم الملاح العماني احمد بن ماجد السعدي كشخصية عالمية مؤثرة ، لدى الأمم المتحدة ، وهو بذلك يُعد سادس شخصية عمانية يتم إدراجها في هذه المنظمة الدولية المختصة .
ومن عام التراث إلى عام الزراعة ، فهي – أي الزراعة – من أهم واقدم الأنشطة التي مارسها الإنسان منذ القدم ، باعتبارها المصدر الأساسي لغذائه وكسائه ومأواه ومعيشته ، وقد عُرف عن العماني حبه لأرضه ، وعشقه اللامتناهي لكل حبة رملٍ فيها ، يرويها بعرقه ، ويفتدبها بدمه ، عاش على فومها وعدسها وبصلها ، ونشأت بينه وبين النخلة علاقة أخذ وعطاء ، وستظل كذلك ، وإن تغيرت الظروف والأزمان ، فإن علاقة العماني بالنخلة وتربتها لن تتغير .
يذكرنا نوفمبر ، بأنّ تخصيص مثل تلك الأعوام لها دلالات إعجازية شتى ، بعضها علمناها في حينها وبعضها لا زلنا نكتشفها ، وستكتشف دررَها المكنونةَ الأجيال اللاحقة ، إنها فلسفة حكم لا يدركها إلا ذو عقلٍ حاذق الذكاء ، تربى ونهل من فيض نهضة عمان المباركة المتجددة ،،، المتجددة بفكرها واهدافها وغاياتها ، ودلالاتها ومعانيها ، وأحداثها وإنجازاتها العظام ، التي تطاول الشمس شموخاً وافتخاراً .
وللحديث بقية…