الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
المسلسل الكرتوني “سالي” من المسلسلات المدبلجة القديمة يحكي قصة الطفلة الغنية التي تقيم في مدرسة داخلية وعندما يموت أبوها تصبح عاملة في نفس المدرسة تعاني من تنمر بعض الزميلات و قسوة المديرة التي تجبرها على النوم في الإسطبل وتطردها من المدرسة لتبيع الكبريت في شوارع لندن المتجمدة.
شاهدت بعض حلقات المسلسل مع ابنتي وشعرت بالحزن على سالي الوحيدة التي دارت بها الأيام ،تسألت ابنتي ، هل بالغت سالي في تقبل الأذى وهل تستمتع بدور الضحية؟ ، هل كان بإمكانها مواجهة قسوة المديرة ؟
يخبرنا العالم النفسي الأمريكي مارتن سيليجمان صاحب نظرية العجز المتعلم أن بعض الأشخاص الذين يواجهون الفشل في حياتهم أو يصابون بالأذى ممن حولهم يصابون بالعجز وتتشكل لديهم قناعة بأنهم غير قادرون على تغيير ذلك الأذى فيستسلمون دون مقاومة ربما لإحساسهم بأنه لا شي يهم .
هذه النظرية تنطبق على مرضى الاكتئاب لكن لا تقتصر عليهم بل تشمل نواحي عديدة من الحياة ، فالمعلم الذي يعطي طلابه اختبارات صعبة كل مرة تؤدي إلى عدم نجاحهم مع مرور الوقت يستنتج الطلاب أنه مهما درسوا تلك المادة سيكون الفشل مصيرهم حتى وإن قام ذلك المعلم بإعطائهم إختبارا سهلا فإن النتائج لن تكون كنتائج من يختبر تلك المادة لأول مرة دون المرور بتجارب فاشلة. كذلك بالنسبة لبعض ضحايا العنف الأسري الذين يصبحون غير قادرين على التخلص من دائرة العنف لأنهم وصلوا إلى مرحلة العجز والاستسلام والقناعة بأنه لا يمكنهم تغيير مصيرهم ، وقد يحدث هذا مع بعض حالات الاغتصاب حيث يعتاد الطفل الذي يتعرض لاعتداء جنسي وتفشل محاولاته للتخلص من المغتصب ، فيصبح عاجزا مستسلما حتى بعد بلوغه سنا يمكنه من التخلص من المعتدي.
في احدى الدراسات التي شارك فيها حوالي 1000 شخص مصاب بمرض نفسي أشار ٤١٪ امنهم أنه تم إخباره من قبل أحد المعالجين النفسيين أن حالته لا يرجى شفائها ، بينما أشار ٧٠٪ من هؤلاء في وقت لاحق أنهم شفوا من الألم النفسي الذي كانوا يعانون منه ، هذا لا يعني أن المعالج يجب أن يعطي المريض وعود زائفه و يجمل له الوضع رغبة في إرضائه بل عليه أن يمنحه الأمل الواقعي بعيد عن التشائم والمبالغة في تهويل الواقع.
وفي دراسة آخرى رصد الباحثون أنماط التفكير السلبية التي تراود الأشخاص الذين يفقدون الأمل في الحياة و مثل “لن يتحسن وضعي أبدا” و “لا أحد يمكنه أن يساعدني”.و “من المستحيل أن أكون سعيدا مرة أخرى” وغيرها من الأفكار المحبطة التي تجعل الفرد يستسلم لوضعه و يتقبل الهوان .
عادة ما يختم المريض الذي يأتي للاستشارة للمرة الأولى بسؤال “دكتور ، هل ستتحسن حالتي ؟ أو هل قمت بعلاج مريض شبيه بحالتي وتحسن ؟” هنا أصمت قليلا قبل أن أجيبه وعادة ما ذكر له أمثلة محفزه من أشخاص تمكنوا من إستعادة توازنهم النفسي و مواصلة الحياة بالمزيد من التفاؤل والأمل، فعادة ما يشعر الفرد أن معاناته فريدة من نوعها وأن مشاكله قد يصعب تجاوزها خاصة عندما تتعلق بفقد إنسان عزيز عن طريق الوفاة أو الرحيل “في حالات الطلاق أو إنهاء العلاقه ” ربما لأن هؤلاء يستهينون من قدراتهم في التأقلم والثبات النفسي التي تمنحهم طاقة إجابية للمضي قدما ، وربما لأن المشاعر النفسية السلبية تجعلهم يفقدون القدرة على رؤية بصيص الأمل الذي يلوح لهم بقدرة بلطف من الله تعالى وتوفيقه.
بقي أن نقول أن بعض الأفراد يمرون بمواقف تشعرهم بالعجز ولأنهم يعملون على مقاومة ذلك العجز ويقومون بتغيير واقعهم للأفضل ، فلا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة .