الصحوة – فاطمة اللواتية
يقال أن الحب لا يكون من السطح، فلابد من الغوص والتعمق حتى نقرر إذا ما كنا نحب شيئا أم نكرهه، وحب البحر يسير على هذا الغرار، لابد من التعمق فيه، وكشف خباياه، ورؤية ما فيه من مخاطر، وجمال، حتى نقرر إذ ما كنا نحبه أم لا. عمر الغيلاني أحد الشغوفين بالبحر، والمحبين له حبا جما، غاصوا في أعماقه، فلم يزدادوا إلا حبا، غواص عالمي، شارك في العديد من البطولات، ونال المركز الأول في البطولة العالمية للغوص الحر بتركيا هذا العام.
ووسط هذه الأجواء المولعة بالشغف والزرقة، أدارت الصحوة معه حوارا عبر منصة “جوجل ميت”، تحدث فيه عن رحلته في عالم البحار، وعن فوزه الأخير.
عن فوزه بالمركز الأول
حصلت على المركز الأول في بطولة “كأس العالم للغوص الحر كأس باشكا” بتركيا، فما هو شعورك؟
شعوري مختلف، الوقوف أمام كل أبطال العالم ومنافستهم في الغوص الحر بمثابة تجربة جديدة بالنسبة لي، هو ذاته الشعور الذي سنحسه لو شارك منتخب عمان لكرة القدم في كأس العالم.
وقد شاركت هذه السنة في خمس بطولات للغوص، بداية ببطولة العالم للغوص الحر في نسختها الثانية في الحادي عشر من شهر يوليو في شرم الشيخ بمصر، وقد فزت بالمركز الأول، وهذه المنافسة لم تكن صعبة، فشاركت فيها بأريحية ودون ضغوطات، وهي التي أهلتني بعد ذلك للمشاركة في البطولة العالمية للغوص الحر بتركيا في الثالث من أكتوبر، وفزت فيها.
انتشرت صورتك وأنت ترفع علم عمان في تنصيبك، ماذا يعني لك ذلك وأنت تحمل المركز الأول؟
هذا تعبير عن الوطنية، واعتزاز بالوطن، فأنا بهذه الطريقة أكافئ وطني على ما قدمه من خدمات لي، فالسلطنة توفر لنا كل ما لا توفره الدول الأخرى، من تعليم مجاني، وبنية تحتية ممتازة، وأمنا وأمانا، فهي بمثابة الوالدين اللذين يعطيان أبناؤهما، ولابد لهذا الابن أن يكافئهما حينما يكبر ويقف على قدمه، وأنا أجزم لو سافر الناس ورأوا ما رأيته في البلدان الأخرى لشكروا الله على هذه النعمة.
“هدفي الأسمى هو رفع علم عمان في كل منافساتي وبطولاتي لأعرف الناس بوطني، وأرفع من مكانته، وهذا يحملني مسؤولية لأني أمثل بلدا، وعلي أن أخرج بأفضل نسخة مني أمام الإعلام، والجميع، لأنهم سيحكمون على وطن كامل من خلالي.”
ما رأيك بوضع الغوص في عمان؟
الغوص الحر موجود في السلطنة منذ 2008، وشهدنا في السنوات الثلاث الأخيرة تطورا واهتماما فيه ولو بشكل بسيط، هناك دعم معنوي ومادي، لكن لنكون واقعيين فإن الدعم لا يأتي إلا بعد ما تصبح منجزا ومميزا في مجال الغوص، بعدها ستدعمك الشركات والجهات المعنية. وقد وصلنا الآن إلى مستوى لا ينبغي التراجع عنه، وهناك الكثير من الغواصين الذين أنجزوا على مستوى بسيط في السلطنة ويترقبون دعمًا. وأنا كغواص عالمي لا أقول أن الشركات تتوافد علي، بل حتى أنا أحتاج إلى الوصول لمستوى أكبر حتى يتم دعمي أيضا بشكل أكبر.
أما من الناحية الخدمية فهناك تسهيلات، حيث كان الدخول إلى المسابح العامة مع معدات الغوص أمرا غير مسموح، لكن الوضع الآن مختلف، فأصبح هناك وعي وإدراك بهذه الرياضة، والشركات السياحية الممتدة على سواحل السلطنة تسهل ممارسة الغوص، ولدينا الكثير من الأماكن الجميلة. وأيضا نجد أن عدد الغواصين الآن ازداد عن سابقه، لاسيما في السنتين الأخيرتين بعد ظهور جائحة كورونا، فقد أصبح هناك حكر وقيود على بعض الرياضات، مما أدى إلى اتجاه الناس لأنواع أخرى، مثل رياضة صعود الجبال، والغوص، وأصبح عندنا الآن هواة للغوص من جميع الأعمار.
تفاصيل عالم الغوص
بالنسبة للغواصين المبتدئين أو الهواة، هل الغوص مكلف؟
لا، بالنسبة للهواة فالأمر غير مكلف، يحتاجون فقط إجادة السباحة، والدراية بعالم البحر، وبإمكانهم استخدام نظارات الغوص، وأنبوب الغوص، والزعانف، وهذه المعدات لا تتعدى ثلاثين ريالا عمانيًّا، وتدوم لأكثر من خمس سنوات كونها مصنوعة من مادة البلاستيك. ومن الممكن أن يتجه الهواة لمراكز التدريب إذا ما أرادوا النجاح؛ لأنها ترفع من مستوى الإدراك بعالم البحار مما يتيح أمانا من العواقب من ناحية، وقدرة على الاكتشاف والغوص بطريقة رائعة من جهة أخرى.
كغواص حر تحتاج إلى الكثير من التمارين، فما هي؟
التمارين تعتمد على هدف الشخص من الغوص، فإذا كان الغواص يريد الاحتراف سيحتاج إلى تمارين أكثر، وأخشى أن يأخذ الناس الموضوع بكلفة وبتصور صعب، ولكن بشكل عام أحتاج للتمرن بمعدل أربع ساعات يوميا. هل هذه الأربع ساعات تقيد حريتك؟ لا، هي هدفي اليومي، أنام من أجلها وأصحو، وأحيانا أجعلها ساعتين، واليوم الآخر ست ساعات.
إلى جانب التمارين الجسدية تحتاج إلى تمارين ذهنية، فكيف تضبط ذهنك أثناء الغوص؟
ضبط الذهن يعود إلينا بالسبب الذي يجعل المرء يدخل الغوص، فإذا كان بمجرد الاكتشاف فلن يصل إلى مستوى عالٍ، لكن إذا ما دخل الغوص حبا فإنه سيصل إلى مرحلة التضحيات، وهذا ما سيجعله يضحي بكل ما هو في حياته، حتى بالتزاماته الاجتماعية، وأكله، وهذه التضحيات ستكون أصعب بكثير من الفكر الذهني الذي يحتاجه في الغوص، وبذلك سيضبط تركيزه.
ذكرت على مواقع التواصل أنك تراجعت أثناء غوصتك الأخيرة، فما هي المخاطر التي واجهتها؟
لا توجد مخاطر كثيرة للغوص، لكن ما حصل في غوصتي الأخيرة هو خطأ تكنيكي مني في معادلة طبلة الإذن، وكان علي اتخاذ قرار في غضون ثانية، إما أن أكمل وأحصل المركز الثالث في العالم ولكني أعرف باحتمالية إصابتي مما سيؤدي إلى توقفي عن البحر لمدة قد تصل إلى شهرين، أو أن أقدم صحتي على كل ذلك، وأنا قدمت صحتي، لأن هدفنا أن “نغوص دوما، ولا نغوص يوما”.
رحلته في عالم الغوص
كيف بدأت رحلتك في عالم الغوص؟
أدار كاميرته مشيرا إلى البحر، وقال: أنا من الناس القاطنين قبالة البحر، ولعل هذا ما زرع فيني حب البحر، وبدأت كهاوٍ عام 2004 تقريبًا، أي منذ ما يقارب عشرين سنة، وكانت بدايتي بسيطة، وكنت “كلما أرى اللون الأزرق يزداد في عمق البحر، يزداد حبي لاكتشاف ما وراءه”.
كنا نحن كشباب نحب التحدي، وكنا نتنافس للوصول إلى العمق، وجلب رمال من القاع، وبعدها بدأنا نصطاد بعض الكائنات البحرية، مثل المحار وغيره، وكنا نبيعها ونجني مصروفا إضافيا، وكانت قاعدتي “ما للبحر فهو للبحر”، أي كنت أنفق أموالي التي أجنيها من البحر على معدات الغوص، ومستلزمات البحر.
ودخلت عام 2008 دورة في الكويت، وتعلمت منها الكثير من المبادئ، وبدأت بالتطور، وحينها قال مدربي لي: “عمر أنت تملك مواصفات الشخص القادر على التنافس”، فكان هو أول داعم لي.
شاركت في أول بطولة لي بدبي، وخرجت منها بسبب أخطاء مني، وكنت أنافس على المركز الأول دون علمي آنذاك، وبعدها بسنين شاركت في ذات البطولة وحصلت على المركز الأول فيها عام 2016.
ذكرت أنك اعتمدت على الغوص كمصدر ربح، فهل من الممكن أن يتحول إلى تجارة في أزمة الوظائف؟
ليس ممكنا، بل أكيدا، وأصبح الناس الآن يفتتحون مراكز لتدريب الغوص. وقد بدأت بتدريب الغوص عام 2014، وافتتحت مركزا عام 2016، وهو مركز للتدريب، وبيع المعدات. وقد دخلت هذا المجال في الآونة الأخيرة فئة كبيرة من الناس، وظهرت محلات مختصة لبيع معدات الغوص، فالغوص مجال جميل، ومن الممكن أخذه بشكل تجاري، وسيشكل مصدر دخل ممتاز.
بماذا تشعر وأنت تغوص؟
ضحك قليلا، ثم قال: انعزال عن العالم بطريقة جميلة جدًا، لا أعلم كيف أصف شعوري، أشعر أنه “مكاني”، هناك ارتباط منسجم، وعلاقة غير طبيعية بيني وبين البحر. وقد عدت بالأمس من رحلتي، وكنت أقول لنفسي في الطائرة أني لا أود أن أرى البحر، فقد كنت أتمرن يوميا بالبحر منذ شهر مايو، لكني حينما عدت اليوم رجعت إليه، فأنا لا أستطيع الاستغناء عنه.
مخططاته المستقبلية
بماذا يحلم عمر؟
تنهد، وقال: “أسجل أعمق رقم في العالم”، ولعل هذا هدف كل غواص، لكنني أملك خطة، والأمر ليس سهلا، أن تنافس أفضل عشرين بطلا في العالم أمر صعب جدَّا، لكني سأصل بمشيئة الله إلى ذلك نهاية عام 2022، أو عام 2023.
هل هناك بطولات ستشارك فيها خلال الأشهر القادمة؟
بطولات البحر تتوقف في هذه الفترة، فهي تبدأ من مايو إلى نوفمبر؛ ويعود ذلك لبرودة المياه في هذه الفترة، مما يعوق عملية الغوص بحرية على الغواصين. وسيبدأ موسم البطولات في شهر يونيو القادم.
أما عن بطولات المسابح فهي مستمرة دون توقف؛ لأنه من الممكن التحكم بدرجة المياه.
كلمة للشباب المحبين للغوص.
أن يراعوا قواعد السلامة في الغوص، وهم يعرفونها جيدا. وأيضا أدعو الجميع للمحافظة على البيئة، حيث وجدت في الآونة الأخيرة من يلقون القمامات عند ذهابهم الرحلات، وهذا الأمر يعود سلبا على الحياة البحرية؛ إذ تأخذ الأمواج معها هذه الأوساخ، فيتلوث القاع، وتتلوث الحياة البحرية، ويؤدي ذلك إلى نفوق الأسماك، والكثير من الأضرار. هل تقومون بحملات تنظيفية للبيئة البحرية؟ كنت أشارك كثيرا، ولكنها الآن تتعارض مع أوقات تمريناتي، ولكن هناك 20 حملة تخرج سنويا، وهناك الكثير من المتطوعين المشاركين فيها، ويصلون إلى كل مناطق السلطنة.