الصحوة – العنود البطاشية
تستمر حوارات صحيفة الصحوة العمانية في تسليط الضوء على إنجازات أبناء الوطن التي تحتضنها عُماننا سواء على مستويات وطنية أوعربية أو عالمية. حوارنا اليوم في الجانب الأدبي. نتطرق فيه عن رواية “سجين الزُرقة” للكاتبة العمانية شريفة بنت علي التوبية الفائزة بأفضل إصدار روائي في جائزة الإبداع الثقافي لعام 2021، ومشوار الكاتبة الأدبي.
سجين الزُرقة
بدأت الكاتبة حديثها ل”الصحوة” عن رواية سجين الزُرقة بقولها: ” الرواية تتحدث عن تلك الفئة التي لا يُتحدث عنها أو لنقل المسكوت عنه والمغيّب، هذه الرواية تكشف جانب خفي لفئة مهمّشة وهم فئة اللقطاء أو مجهولي النسب، وكيف يتم التعامل معهم من قبل المجتمع، من خلال شخصية راشد الذي انتزع من أمه وهو صغير ليتم إيداعه في دار الأيتام. حيث تصل الحكاية للقارىء من خلال راشد الذي يقرر الهروب بعد أن ضاق به كل شيء، وبعد أن أصاب قلبه اليأس في العثور على أمه التي تخلّت عنه. وفي الرواية أيضًا تحكي شمسة أم راشد ظروف حملها براشد وكيف دخلت السجن وتحكي حكاية نساء أخريات دخلن معها السجن في قضايا مختلفة.. .”
وبينت شريفة التوبية سبب اختيارها لهذه القضية لتشاركها حروفها الأدبية، فقالت إنها كتبت هذه الرواية لإيمانها بحجم بهذه القضية، ولأن نظرات الطفل الذي وجدتها يوماً على حبل الأرجوحة في دار الأيتام ظلت تطاردنها، فكان لا بد من الكتابة، صوت راشد في الرواية هو صوت لكل الأطفال الذين يعيشون نفس ظروفه ومأساته، ورسالة للمجتمع الذي لا زال يرفض الإعتراف بهم، ربما تتغير النظرة لهؤلاء الأطفال الذين أتوا إلى الحياة كخطيئة وعاشوا بها وهم يحملون عار أبائهم.
بداية شريفة بالكتابة
التوبية: ” بدأت الكتابة في وقت مبكر من عمر طفولتي، وأنا في الصف الرابع. طبعاً ليست هي الكتابة الحقيقية، بل لحظتها أدركت حبي وشغفي بهذه “اللعبة” كما كنت أسميها. كنت طفلة صامتة خجولة قليلة الكلام، وكنت أجد نفسي في تلك العوالم الساحرة بين صفحات الكتب. تمنيت حينها أن أكتب كما يكتب غيري من أولئك الكتّاب الذين أقرأ لهم، وتساءلت لماذا لا يكون لي كتابي الخاص، لماذا لا أصنع وأخلق هذه العوالم التي يخلقونها. كتبت وبدأت انتقل من مرحلة اللعب إلى الكتابة الجادة، الكتابة الحقيقية بدءاً بالمقالات والقصة القصيرة وها أنا أكتب الرواية التي طالما حلمت بكتابتها.”
و أردفت بقولها: ” وكوني قارئة ومحبّة للقراءة، أعتقد أن القراءة دفعتني نحو الكتابة بل كانت محفزّ كبير لي. وآمن والدي بقدراتي في الكتابة منذ البداية فشجعني، ثم بدأت مرحلة النشر في الجرائد والصحف، فكان وجود القارىء مشجّع آخر لأستمر. ثم واصلت الكتابة وبدأت أدرك أن أجمل ما يمكنني فعله هو الكتابة.
صعوبات بداية المشوار
لا أذكر أني واجهت أي صعوبة تذكر في بداية مشواري في الكتابة، ولكن ربما ما كان يزعجني هو قلة المكتبات في قريتي وعدم عثوري على الكتب التي أحلم بقراءتها، كان البحث عن الكتاب شحيحاً، وكنت أنتظر معارض الكتب من عام إلى عام حتى أتزوّد منه ما يكفيني لعام كامل.
لمن تقرأ شريفة التوبية؟
قرأت الكاتبة كثيراً من الكتب دون التركيز على اسم الكاتب، تقرأ ليس للمتعة فقط ولكن للتعلّم، واكتشاف الأساليب الكتابية في الأعمال الأدبية الناجحة، كما أنها لا تعتمد على الأراء المكتوبة لأنها مؤمنة أن ما يناسب غيرها قد لا يناسبنها، فلها ذائقتها وللآخر ذائقته، فحتى القراءة لها خصوصيتها، وتعتقد لم يعد مهماً كم كتاب قرأت ولكن ماذا قرأت وبماذا خرجت، وما الذي تغيّر فيك بعد القراءة. فمثلاً يعجبني هاروكي ماروكامي وأنتظر كتبه المترجمه، هذا الكاتب بالذات يكتب بعقلية مختلفة ولا يشبه غيره، قرأت لإيزابيل الليندي ولديستوفيسكي وتوليستوي ونابوكوف ولنجيب محفوظ وخالد حسيني، حسب قولها.
ست إصدارات أدبية
في رصيد الروائية العمانية ست إصدارات أدبية كان بدايتها في 2014، عبارة عن مقالات بعنوان (المقعد شاغر) صدرت من بيت الغشام للنشر والترجمة. بعدها بعام، كتبت الروائية نصوص قصيرة بعنوان (نثار) صدرت من المؤسسة العربية للدراسات والنشر. حيث طورت الكاتبة كتابها الأدبية عام بعد عام إلى أن وصلت للسرد النثري (سعاد..رسائل لم تصل) بإصدار من دار سؤال اللبنانية. في 2017، كتبت الروائية مقالات بعنوان (في قلبي شجرة) و قصص قصيرة بعنوان (عين السواد). في 2020، انجزت وحققت الكاتبة حلمها بكتابة رواية متكاملة بعنوان (سجين الزُرقة). أما (انعكاس) فهي مجموعة قصصية صدرت ضمن كتاب مجلة نزوى.2021.
المشهد الثقافي العماني
حول المشهد الثقافي في السلطنة، تحدثت التوبية قائلةً: ” المشهد الثقافي في عُمان في أفضل حالاته، لدينا حراك ثقافي نشط جداً وإصدارات جميلة وكتّاب مبدعين، هناك تنافس جميل وواضح على تقديم الأفضل، كما أن المثقف العماني يكتب بشكل جيد وأصبح منافس لكتّاب عرب وعالميين. الكاتب العماني الآن معروف في الخارج وقد ترجمت كتبه بلغات مختلفة. كذلك لدينا المؤسسات الثقافية الحكومية والأهلية مثل النادي الثقافي والجمعية العمانية للكتّأب والأدباء وبيت الزبير الراعي الداعم للكثير من الأنشطة الثقافية بالإضافة إلى الجمعيات الثقافية ومحبّي الكتب. وأيضًا في فترة كوفيد-19 وأيام الحظر لم تتوقف الأنشطة الثقافية، فقد أقيمت الكثير من الأمسيات والفعاليات عبر المنصات الالكترونية، كما أنه لدينا برامج إذاعية وتلفزيونية تُعنى بهذا الجانب وقناة ثقافية كاملة، المشهد الثقافي يسير نحو الأفضل، ولا ينقصنا سوى أن نشتغل على أنفسنا أكثر لنخرج بإنجاز أدبي نفخر به.”
الرواية والقصة القصيرة في عمان
الكاتبة شريفة: ” اطلّعت على قصص وروايات في عمان، أجد أنها كتابات ناجحة وناضجة وتستحق القراءة، ربما الغريب في الأمر أن أكثر من كتبوا الرواية اليوم بدأوا بكتابة القصة، ولا أعتبر هنا أن القصة العتبة الأولى للدخول إلى عالم الرواية رغم أن القصة ليست سهلة في كتابتها لما تحتاجه من تكثيف واشتغال، ولكن أغلبنا خرج من عباءة القصة لننتقل إلى كتابة الرواية.
وذكرت التوبية أسماء عُمانية لها مساحة أدبية جميلة وقالت: ” هناك أسماء كثيرة كتبت قصص جميلة جداً ومن الأسماء التي أعتبرها أجمل من كتبت القصة في عمان والوطن العربي القاص الدكتور محمود الرحبي، فالدكتور محمود مدرسة في كتابة القصة القصيرة، ولدينا أسماء أخرى يحيى سلام وسالم أل توية وليلى عبدالله واشراق النهدي وعبد العزيز الفارسي وجوخة الحارثي التي كتبت القصة ولكنها كتبت الرواية واستمرّت بعدها في كتابة الرواية وقد فازت بجائزة مان بوكر العالمية 2019عن روايتها سيّدات القمر التي ترجمت إلى لغات كثيرة، وكذلك بشرى خلفان التي كتبت القصة والآن تكتب الرواية وهدى حمد، وعزيزة الطائي.. أسماء كثيرة ربما فاتني بعضها ولكنها كلها أسماء نعتز بوجودها وكتابات نفخر بها كمنجز ثقافي عماني.”
هل البيئة العمانية محفّزة للإبداع الروائي؟
ذكرت الروائية أن كل ما في عُماننا محفزّ للإبداع، ودافعاً له، وغالباً الإبداع يأتي من داخل المبدع نفسه، فالإبداع شأن شخصي ليس له ارتباط بالظروف وغيرها، المبدع يصنع إبداعه حتى في أحلك الظروف وفي أسوء الحالات، فهناك مساجين كتبوا أجمل ما كتبوا وهم خلف قضبان السجن، وقد يخلق الإبداع من رحم الألم.
الصحوة: هل المرأة قضية مثيرة ومسكوت عنها !!
علقت التوبية عن هذا السؤال أنها لا تتفق مع هذا القول، فالمرأة ليست قضية وليست من ضمن المسكوت عنه. المرأة شريك تعامل كإنسان ناضج عاقل منتج ناجح لم يعد لدينا فرق واضح بين امرأة أو رجل، وليس الكتابة عن قضايا المرأة سبباً للاهتمام بالرواية.
أضافت قائلة: ” هناك قضايا كثيرة وجديدة من الممكن أن تتطرق إليها الرواية قد تدخل فيها المرأة ولكن لكل كتابة خصوصيتها السردية والمتعة التي يجدها القارئ أثناء قراءتها. ولعلني من أولئك الذين يحبون قراءة الروايات، وأكثر الروايات التي قرأتها لم تتناول قضية المرأة، كان الإنسان هو القضية. الراوي الناجح من يتلمّس القضية في أهميتها بالنسبة للمجتمع وهذا يعتمد على فطنة الكاتب وقدرته على اختيار مواضيعه بدقة، بحيث لا يكرر ما كتبه غيره ولا يكون نسخه من كاتب آخر. فالتحدي كيف تجعل القارىء يصدّق أو يعيش ما كتبت وما تخيّلت، والإبداع هنا أن تجعل القارىء يدخل عالمك المتخيّل وينجذب إليه دون أن يشعر بالملل.”
الوقت المسروق
أكدت الكاتبة شريفة أن التوافق بين الوظيفة والأبناء والكتابة هي عملية إدارة للوقت. ولذلك أصعب ما يواجهه الكاتب حين يدخل هذا العالم الساحر الذي لا يمكن له الخروج منه، فهو مرتبط بكثير من التزامات الحياة بينما الكتابة تحتاجه أن يكون متفرّغاً لها، خصوصاً كتابة الرواية، فالكاتب هنا عليه أن يكون بكل حواسه وعقله وطاقته ليخلق ويبدع في مطبخ الكتابة.
ولفتت قائلةً: “لعل من أحلامي المستحيلة أن يأتي يوم تكون فيه الكتابة الإبداعية حرفة أو مهنة، ولا أقصد بها هنا العمل الصحفي، بل الكتابة الأدبية الإبداعية، فالكاتب أن ترك كل شيء وتفرغ للكتابة مات جوعاً، لأن الكتابة في الوطن العربي لا تعطيك قيمة رغيف خبز، ومع ذلك تكتب لأنك تحب ما تفعله، تكتب في الوقت المسروق والمستقطع من مهام كثيرة أخرى في حياتك، ورغم كل شيء ستكتب، لأنك مصاب بالكتابة وستصاب بالجنون أو التعب إذا لم تكتب.”
معوقات تواجه الكتابة الإبداعية اليوم
المعوقات التي تواجه الكتابة الإبداعية كما أرى وربما سيختلف معي فيها البعض هي سهولة النشر، فمع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مساحات النشر مفتوحة وأصبح كل من كتب كلمة ظن أنه كاتب، وأن ما يكتبه كتابة إبداعية، فأصبح قيمة ما يكتب يحسب بعدد اللايكات على المنشور، وهذه ليست كتابة. ولكن مع ذلك يكفي الكاتب المبدع أن يقرأ كتابه قارىء واحد وجد فيه ما يستحق فعلاً أن يقرأ. الرهان على القارىء، فالرهان على مايُقدم وما يكتب، فليس كل ما يصدر من ورق بغلاف أنيق هو كتاب. كذلك دور النشر في الدول العربية التي ما زالت تتعامل مع الكتاب كسلعة، والهدف هو الربح دون الاهتمام بالجودة، وكم من كتاب كُتب بإبداع لم يجد طريقه للنشر أو الإصدار لقلة ما في يد كاتبه، حسب قول شريفة التوبية.
النقد في المشهد الثقافي
التوبية: ” أين هو النقد حتى يكون لي رأي فيه؟ لا يوجد لدينا نقد إلا على استحياء، رغم وجود الكثير من المتخصصين في مجال النقد الأدبي ورغم وجود الدراسات النقدية العلمية المكتوبة، ولكن لا تجد من ينقدك نقداً موضوعياً، النقد لدينا خجول ومجامل، والجلسات أو القراءات النقدية قليلة جداً، وهذا ما يجعل البعض يستسهل عملية النشر والإصدار، نحن بحاجة للنقد والناقد حاجتنا للكاتب والقارئ.”
وصرحت عن نفسها : ” نعم أتقبل النقد الذي يخدم عملها الكتابي، أتقبل النقد العلمي الموضوعي الذي يفتّح عيني على مواطن الضعف في نصوصي الذي يساعدني على تطوير نفسي في عملية الكتابة. في المقابل لا أقبل المجاملة ولا تسعدني.”
الفوز بالجائزة
الكاتبة شريفة التوبية: ” هذه هي المرة الأولى التي أتقدم فيها إلى مسابقة، وكان أملي كبيراً رغم عدد الإصدارات لدينا. وبتوفيق من الله حصلت رواية ” سجين الزرقة” على أفضل إصدار لعام 2021 في جائزة الإبداع الثقافي. الفوز بقدر ما هو جميل وجعلني أشعر بالسعادة والفرح ولكن أيضاً بالنسبة لي تحدٍ كبير، فالكتابة الآن لم تعد سهلة، ليس لأني في منافسة ولا سعياً إلى الفوز، ولكني الآن في تحدٍ ومنافسه مع نفسي، لأن أقدّم الأفضل، الكتابة الإبداعية تحتاج إلى جهد كبير واشتغال أكبر.”