الصحوة – ظافر بن عبدالله الحارثي
لقد اختار المولى عز وجل الإنسان وكرمه ليكون هو الخليفة المسيطرة في إدارة الأرض بآمره وحكمته ورحمته، لذا مكنه بالعقل وميزه به عن سائر مخلوقاته، ومع المراحل التي عاشتها البشرية لتواكبنا، خُتمت الرسالات والنبوة برسولنا وحبيبنا وقائدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام لأن شُرع له صلى الله عليه وسلم ما ينطبق على مصالح الناس في كل زمان ومكان، واستقر القرآن دليلنا في إتمام هذه المهمة حتى تنتهي، فما هناك من أمر إلا وقد جمعت وحددت ورصفت ونظمت.
ومن حكمته جل جلاله أن يكون الإنسان مخيرًا في تقرير الصراط والمسار بالرغم من أنه الشَارع القادر المقتدر وما من أمر آمره (كن) فيكون بإذنه، ومع التحديات والابتلاءات والظروف التي يختبرنا المولى من خلالها، هناك منا من يختار الطريق الخاطئ معتقدًا بعقله المحدود وضميره المتراجع وفكره المتشتت وحسبته الضيقة بأنه الأصلح والمناسب متجاهلا كل عوامل القوة التي مكنه المولى عز وجل بها، فما كان نتيجة تعثره تلك إلا الخيانة والفوضى والفساد.
ومن هؤلاء هناك من ينتبه فيرجع عن انحرافه ليقومه ويهذبه حتى تستقيم، وآخرين انعقدوا ثابتين في ذلك المسار المظل الذي يحمل المضرة لسالكه قبل أن يتعدى به على حقوق وحريات الغير، فكان القانون من العلوم والأدوات التي تكن لهم بالمرصاد، لتقوم سلوكهم وتنظم حياتهم وتعوض عن ما فاتتهم من قيم أخلاقية، فكلما ضاقت دائرة التعامل بالأخلاق اتسعت دائرة التعامل بالقانون، ومن هذا المنطلق شكل هذا العلم ضرورة لا بديل لها في حياتنا اليوم.
إن جوهر القانون رسالة سامية تتعدى في ماهيتها الحقوق والتنظيم والإستقرار، لتشمل كل مفردة تندرج تحت المشروعية والعدالة والمساواة والرحمة والتلائم، غير أن ذلك لا يعني تناقضها مع الشرع والأخلاق والفطرة بشيء؛ كما أنه يتبرأ من كل سلوك صادفه تحجر وجمود دون النظر إلى الواقعة بتفاصيلها والتمحيص فيها تمحيصًا يهدف إلى الوصول للحقيقة معتمدين في ذلك بذل العناية اللازمة مستخدمين موازين القسط الدقيقة.
استثناءا للأصل المشهود والفكرة الدراجة، أقول أن لكل فرد فينا هامش أو مساحة من الصلاحيات التي قد تكون إما كبيرة متناسبه مع الصفة التي نحملها، أو متوسطة صغيرة متوافقة معنا سواء بمناسبة عملنا أو بسبب البيئة والظروف التي نكبر فيها أو حتى كأفراد عاديين نقوم من خلالها بطرح الأفكار واتخاذ القرار واعتماد الأعمال، وأحيانًا الحكم على الأشخاص والاختيار؛ إن هذا الطرح وهذا الاستثناء الغير موجود إلا في ذهني هو لإيصال فكرة محددة وهي: أولًا/ أن الإنسان وراء النظام وكل ما نشهده من ايجابيات وسلبيات فهو سببه، ثانيا/ ثم أن معالجة الفساد يبدأ من الذات حتى إن انبرينا في ساحات الحق ننتصب أقوياء، واثقون بأننا أصحاب حق، ثالثًا واخيرا/ بناء الإنسان ثم تمكينه يأتي قبل إقامة الحجر.