عبدالله بن سعيد العدوي
لقد فتحت وسائل التواصل الاجتماعي الباب على مصراعيه؛ ليدلو كل منا بدلوه في مختلف النقاشات، وبات من الصعب أن تنتقي محيطك ومساحتك؛ لتحمي نفسك من المدعين، فمهما حاولت فإنك ما زلت تقع بين الحين والآخر في شباكهم بكل تأكيد.
إنهم يحفظون كمية من المصطلحات يعيدونها تكرارا ومرارا؛ ليرددوها ومن ثم يستخدمونها كسبيل فرار جبان في أي نقاش جاد!
مطيتهم الثقافة التي (يدعون) بأنهم مالكوها لهكذا جدالات عقيمة للأسف.
وليتهم يعلمون بأن الثقافة ليست سوى تهذيبا للمرء؛ عله يبصر أفضل ويعيش بالتالي على نحو أفضل، وبأنه ليس ذا جدوى أن يقرأ المرء كثيرا؛ فيثرثر كثيرا في غير موضعه فقط من باب أنا ذلك القارئ المثقف ظنا منه بأن هالته التي يدعيها سوف تنطلي على الجميع، غير مدرك بأن هناك من مر عليه الكثير، ونال شيئا من الفراسة مع الأيام منحته رؤية ما تحت القشرة والغطاء!
أنهم يختبئون تحت الأسماء التي يعظمونها ويرددون مبادئها وأفكارها، حسبهم من نهق خلف العظيم عظيم !
ولذا ما تشرع في نقاشهم إلا وتبصر نشازا غبيا يدعي أنه حليف ذلك الفيلسوف مرة وهذا الأديب مرة أخرى؛ فيختلط الحابل بالنابل عليك ولا تعرف موقع ما يتحدث عنه الآخر من جملة النقاش أصلا، أنه الغراب الأعرج الذي لم يوفق في مشية الحمام إذن!
وليتهم يدركون بأن البساطة في القول و وضوح الكلام والمنطقية يوصل الفكرة ويعظم فكر المرء، دون الحاجة لأسماء ومصطلحات يظنون أنها العيار الثقيل وما دونها بخس رخيص!
فالمثقف الواعي والقارئ الجيد لا يركن للأسماء ولا يمطرك بالمصطلحات التي معرفته بها سطحية غالبا؛ ليوهمك بأنه المثقف الغول الذي سيبتلعك بعد قليل إذا لم ترضخ لقبول أفكاره المتسامحة والمنفتحة على الآخر!
وليس مضطرًا إلى أن يتثاقف عليك؛ لينظر لك من برجه العاجي العالي كونك لا تعرف من يكون (رجل القش)؟ -على سبيل المثال لا الحصر فمتاهة مصطلحاته عديدة يطول ذكرها- ، راميا رجل القش المسكين وسط حديثك المتزن وجداله المتناقض في فكرة ليس لرجل قشه هذا أي يد ولا حتى أصبع !
هكذا يكون النقاش قد انتهى وهكذا يكون مثقفنا انتصر، فأنت مجرد شخص قليل المعرفة، إنك أقل ثقافة منه بكثير؛ فأنت لا تعرف رجل القش أصلا؛ بينما هو من جمع له القش عودا عودا كما يبدو!
بالمناسبة ليس من الضروري أن ترى المثقف يقرأ لشاعر عالمي وفي فمه سيجار ويحتسي القهوة؛ ويردد شعارات وكلمات مبهمة؛ فامسح الصورة النمطية التي اقنعوك بها وصدقتها على ما يبدو واقتفيت أثرها مستميتا علك تصل؛ فإن المعرفة السطحية وادعاء المعرفة أكثر فتكا من الجهل؛ فارفق بنفسك إني أراك غرقت.
ونصيحة أخيرة…
اكتفي بقول: (معك حق) لهم.
ولا بأس إن لم تعرف (رجل القش) فأنا شخصيا لا أعرفه لكنني أعرف رجل البرسيم جيدا .
*المغالطة البهلوانية أو رجل القش هي نوع من أنواع الإدعاءات قائمة على تحريف الموقف المعارض، بتفنيد شكل الحجة بحيث يوحي أن الحجة المعاكسة صحيحة.