الصحوة – عواطف السعدية
بدأت القلوب تستعد، وتستقبل شهر الرحمات شهر حصاد الأعمال، وزيادة الأجور. عاماً كاملاً مضى ذهبت به أرواح، واستقبلت أخرى، وتوالت علينا كم من الأحزان وذهبت أيام فرطنا فيها. آن الأوان لنجتهد بالعبادة نُكثر من الصلاة والقيام والصدقة.. لانعلم ربما يكون شهر رمضان الأخير لنا. نستغل سويعات، وأيامه المعدودات… نقضيها فيما يُرضى الرب وتسعد الروح من شقائها…نتضرع بالدعاء والاستغفار وذكر لله على الدوام..
قال الله تعالى:( شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هُدى للناس وبينات من الهُدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصُمه ومن كان مريضاً او على سفر فعدةُ من أيام أُخر).
نفحات إيمانية عطره، ومجالس ذكر، وتسبيح، ودعاء، وقيام ليل، ومناجاة. فيا رب اجعلنا ممن صامه، وقامه.، وغفرت له ماتقدم من ذنوبه وماتأخر.
للصائم فرحتان ، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه”
وقوله – عليه السلام – ” من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه” ، وقوله – صلى الله عليه وسلم – : *” ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله”
قد علمنا أن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزي بها، فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام؛ لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله، وانما هو الشي في القلب وذلك لأن الأعمال لا تكون الا بالحركات، الا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى على الناس، وهذا وجه الحديث عندي. باع قوم من السلف جارية فلما قرب شهر رمضان رأتهم يتأهبون له ويستعدون بالأطعمة وغيرها، فسألتهم فقالوا:نتهيأ لصيام رمضان، فقالت :وأنتم لا تصومون إلا رمضان؟ لقد كنت عند قوم كل زمانهم رمضان، ردوني عليهم. الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله الى باب الملك، والصدقه تأخذ بيده فتدخله على الملك. عن بعض السلف قال :بلغنا إنه يوضع للصوام مائدة يأكلون عليها والناس في الحساب، فيقولون : يارب نحن نحاسب وهم يأكلون، فيقال:إنهم طالما صاموا وافطرتم وقاموا ونمتم. في رمضان لذة التراويح تمتعنا، وكثرة الركعات تريحنا، ومزيد السجدات يرفعنا، وطول الوقوف بين يدي الله ينيسنا دنيانا ومشاغلنا. في رمضان يهدأ الزوجان، وماقد يكون بينهما من سوء يذهب في خبر كان، فيصبحان بأروع بنيان. في رمضان يتفنن الزوج لزوجته في حسن الاستيعاب، ويتأهل بمهارات تنمويه سلوكية، ويسامح فيما حدث وكان، فيكسب الأجر، ويمتلك القلب، ويسعد بالروح قبل الطعام والجسد. في رمضان تصبر الزوجه على زوجها بصنعه جميله، قد تصنع منه رجلا عظيما سعيدا قرير النفس ثابت الكيان، فتنال بذلك رضاه، وتأسر عاطفته، وتعانق بذلك روحه وفكره. في رمضان يمسك أصحاب البيوت ألسنتهم فتتمايل وتترنح فيما بينهم كلمات الود والسهولة والتغافر، فتترقق القلوب، وتنزل على البيوت ملائكه تتشرف بصحبة ذلك البيت والمكث فيه، فتهرب الشياطين، وتنزل الرحمات والسعادة. في رمضان تعانق البيوت كتاب ربها، تقرأ وتتنافس فيما بينها، فتحل البركة، ويزداد الشعور بشهر عظيم كريم جميل، شعور قد لا يتواجد في وقت غير رمضان إلا من رحم ربي ..
بارك الله لنا شهر الصيام والقيام وجعلنا من المرحومين ومن عتقائه من النار ووفقنا وإياكم جميعاً لنيل رضاه والفوز بجنته إنه سميع مجيب الدعاء..
تقبل الله منا ومنكم صالحات الأعمال والطاعات وأكرمنا بجناته جنات النعيم يارب العالمين