الصحوة – د. سالم بن سلمان الشكيلي
لست أوكرانياً ولا روسياً ، أنا احد أبناء سلطنة عمان ، السلام صناعتها ، ومبدأ عدم التدخل في شؤون الغير منهجاً لسياساتها ، والحوار أسلوباً تنادي به في السر والعلن ليكون شريعة مستدامة لحل الخلافات بين الدول ، وهو إيمانها المطلق على الدوام ، من منطلق قناعاتها بأنّ الحروب ما هي إلا دمار وهلاك للبشر والشجر والحجر، لا يذرُ بارودُها المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم .
قامت روسيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي بغزو عسكري لجارتها أوكرانيا ، بعد أن حشدت جنودها ودباباتها وطائراتها وسفنها الحربية وصواريخها وقنابلها وكل مخزونها من أنواع أسلحة الدمار التي لا تبقي ولا تذر ، وتوقع المراقبون والمحللون السياسيون والعسكريون ، أنّ القوات الروسية سوف تجتاح وتسيطر على أوكرانيا خلال ست وتسعين ساعة ؛ نظراً للفائض والفارق الشاسع في ميزان القوة العسكرية الذي يميل بشكل كبير لصالح روسيا.
تبارى بعض الإعلاميين والصحفيين وخاصة العرب منهم للتبشير باستفاقة الدب الروسي ، وأنه قادم لا محالة لتغيير وجه العالم ، فاستعانوا بكل مفردات اللغة العربية من مدح وثناء وتمجيد لروسيا ، ربما نكاية وشماتة في أمريكا والدول الغربية بسبب عدوانيتها هي الأخرى والتي تكيل بمكيالين ، ودعمها المستمر للعدو الصهيوني المغتصب للأراضي العربية المحتلة ، وعدوانها المستمر بلا رادع على الشعب الفلسطيني وأراضيه المحتلة ، ونسي هؤلاء الإعلاميون والصحفيون أو تناسوا عربدة الروس – الوريث الشرعي للاتحاد السوفيتي – في أفغانستان ، وفي جورجيا، وغضوا الطرف عن التواجد العسكري البري والبحري والجوي المزود بأفضل التقنية المتطورة في سوريا ، بينما العدو الاسرائيلي يشن غاراته على الأراضي السورية ليلاً ونهاراً ، على مرآى ومسمع القوات الروسية ، ولم يتحرك للروس جفنٌ في وجه إسرائيل ، ولعلني أذهب للقول بأن هذه العربدة الإسرائيلية تتم بتنسيق وعلم الروس المسبق ، بل وبتواطؤ منهم .
شارفت الحرب على أوكرانيا أن تكمل شهرها الثاني ، وتبين ضعف وهوان الدب الروسي وعجزه ، الذي أظنه لا يزال يحلم بالمجد السوفيتي ، ولم تتمكن القوات الروسية من السيطرة على اوكرانيا وتغيير الحكومة القائمة في كييف بحكومة بديلة يكون انحيازها وولاؤها لموسكو وليس للغرب ، وجُلّ ما حققه الروس هو الدمار والخراب في بعض المناطق الواقعة على الحدود مع الدولة الروسية وبمساعدة الانفصاليين الأوكرانيين ، ويبدو أن الحرب ستستمر لفترة طويلة ، وسيعاني الشعب الروسي من العقوبات الغربية التي بدأت آثارها تظهر على السلطة والشعب ، وستتفاقم تلك الآثار على المدى البعيد .
إن منطق استخدام القوة في أي مكان في العالم لغزو الدول الأضعف قدرة ، هو أمر مرفوض تمامآ ، لأننا لو سلمنا بذلك لعاد بنا الأمر إلى عصر الغاب ، ولهدمنا ما تبقى من قواعد القانون الدولي العام ، الذي أصبح مهلهلاً بفعل حماقات الدول الكبرى والتي لا تستدعيه إلا من أجل مصالحها ، وتسقطه من حساباتها ، وتغمض عينها عن نكبات تحدث في أنحاء أخرى إن كان ذلك يصب في مصلحتها أو لا يقترب من توجهاتها ، ونكون بذلك قد أسقطنا مبدأ سيادة الدول ، ولمنحنا شرعية لكل حالات الغزو السابقة ، والتي ستأتي لاحقاً سواءً من روسيا أو أمريكا أو غيرها من الدول مهما كبر حجمها أو صغر، ومهما تضخمت قوتها العسكرية أو قلّت ومهما كانت المبررات .
إنّ الخاسر والمتضرر من أي حرب تقع في العالم ليس أطرافها فقط ، وإنما دول العالم كلها إن كان بصفة مباشرة أو غير مباشرة وخاصة في الجانب الاقتصادي والتجاري ، وما نشهده اليوم من تضرر الدول المستوردة للقمح من أوكرانيا او روسيا خير دليل على أن الحرب إذا انطلقت تكون عمياء في البصر والبصيرة .
من كان يظن أن روسيا أفضل من الغرب وامريكا فليأتنا ببرهان مبين ، إنهم ياقوم كلهم كاذبون
وكلهم وراء مصالحهم يلهثون
وكلهم للكيل بمكيالين فاعلون
وكلهم لإسرائيل داعمون
وكلهم عندما تتوافق مصالحهم سيتصالحون
وكلهم على العرب والمسلمين متفقون ومتوافقون . لن نرى هذا الدعم الأوروبي والأمريكي لأوكرانيا ، في حالة قامت إسرائيل وما تقوم به ضد الفلسطينيين ، ولن نسمع سوى دعوات التهدئة والشجب . وهم من تحت الطاولة ومن وراء الكواليس يدعمون الكيان الصهيوني في عدوانه .
أما نحن ، فسنبقى – كما في كل مرة – الخاسرين . ولا عزاء للضعفاء .