الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
من المقاطع التي أعجبتني في مواقع التواصل الاجتماعي مقطعا من مسلسل مصري يقول فيه المعلم للطالب الصغير “اقرأ يا جحش يا صغير” فيجيب الطفل بكل إصرار “أنا مش جحش أنا سمير، أنا أحلى حاجة في الدنيا، أنا أهم حاجة في الدنيا أنا أغنى واحدا في الدنيا” فيهدده المعلم بالعصا لكن الطفل يستمر في إيجابيته بثبات “. استوقفني هذا المشهد لأتذكر مشاهد عديدة من حياتنا يقوم فيها من حولنا بإرسال رسائل متنوعة تؤثر بشكل أو بآخر على طريقة نظرتنا لأنفسنا وللأشخاص من حولنا هذا التأثير قد يتجاوز تشكيل وجهات النظر بل يسبب أمراضا نفسية مختلفة.
يخبرنا علم النفس أن أسباب الأمراض النفسية قد تكون بيولوجية، نفسية أو اجتماعية وغالبا ما تتداخل هذه العوامل مع بعضها البعض لتكوين المرض النفسي، فالاستعداد الوراثي يجعل البعض أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مثلا عند التعرض لضغوطات حياتية شديدة مثل وفاة أحد الأبناء أو الطرد من الوظيفة لكن المناعة النفسية والدعم النفسي من الآخرين يساعد الفرد في تجاوز محنته وتجنب الاكتئاب، كما أن الرسائل الأولية التي يتلقاها الفرد من بداية طفولته من والدية أو بيئة المدرسة تشكل نظرته لذاته وثقته في نفسه وقدراته على تجاوز ضغوطات الحياة.
منذ أيام دار بيني وبين أحد أصدقاء التواصل الاجتماعي نقاش حول مسمى وزارة التربية والتعليم، وهل التربية وظيفة المدرسة أم المنزل، كان محدثي معلما له باع طويل في مجال التعليم وكان جوابه أن الطفل تتشكل شخصيته أحيانا في المدرسة خاصة وأن البعض يدخل الحضانة منذ سنوات عمره الأولى بسبب عمل الوالدين وانشغالهما عنه حتى أثناء وجودهما في المنزل، يقول محدثي إن المدرسة هي البيئة الثانية للطفل يواجهه فيها العالم الخارجي لأول مرة وتتشكل من خلالها نظرته عن نفسه وعن الآخرين وعادة ما يكون أصدقاء الدراسة لهم تأثيرا أكبر على سلوك الطفل حيث إنه يقارن نفسه بهم ويقارنه والداه أحيانا خاصة في موضوع التفوق الدراسي، كما أن للمعلم دورا أساسيا في تكوين شخصية الطفل وبناء ثقته بنفسه، فالمعلم الناجح يشجع طلابه ويحفزهم وينمي ثقتهم بأنفسهم عن طريق التشجيع والمدح والثناء أو ملصقات النجمة والكأس أو الهدايات البسيطة، بينما نجد بعض المعلمين يعامل طلابه بقسوة وجفاء وتحطيم لشخصياتهم، وقد يصل الأمر أحيانا إلى الضرب أو الإذلال، لكن الأذى النفسي أشد تأثيرا لأنه من الصعب إثباته أحيانا وقد يستمر لفترة طويلة يفقد بسببها الطفل حبه للدراسة واحترامه لذات وقد يصدق ما يقوله عنه المعلوم من كلام محبط ومحطم للطموح.
لذلك أرى ألا نهمل دور الأسرة في تربية الطفل وتنشئته وألا نلقي بفلذات أكبادنا إلى المدارس بثقة عمياء بل يجب أن نحرص على اختيار المدرسة والتواصل مع المعلمين بشكل دوري وسؤال الطفل عن أحواله في المدرسة من السنوات الأولى ليصبح ذلك جزءا من روتينه ويعتاد أن يشاركنا ما يعيشه من مواقف خلال تعامله مع الآخرين، ولا ننسى دور المؤسسات التعليمية في تأهيل المعلمين وتنمية مهاراتهم الشخصية وعدم الاكتفاء بالجانب العلمي بل التركيز إلى الجانب الأخلاقي أيضا خاصة وأن بعض الأفكار الشخصية مثل العنصرية والتفرقة في التعامل بين الطلاب يمكن أن تزرع الحقد والحسد بين الأطفال
ختاما، لنكن جميعا مثل” سمير “نؤمن بأنفسنا ونعلن إيجابيتنا ونثبت على قرارنا بأننا” أهم حاجة وأجمل حاجة حتى وإن تم تهديدنا بالعصا.