الصحوة – إسحاق السعيدي
نخوض في هذا الحوار في أعماق تجربة ثرية من النشاط في وسائل التواصل الاجتماعي على الصعيد الثقافي مع ضيف خاض تجارب كثيرة في منصات مختلفة من أجل التوعية والتثقيف في القضايا السياسية والاجتماعية العامة، نستضيف علوي المشهور، خريج علوم سياسية من جامعة كانبرا في أستراليا، وهو أحد الرواد البارزين في مناقشة القضايا العامة في عمان في السنوات الأخيرة.
س: ماذا تعني وسائل التواصل الاجتماعي بالنسبة لعلوي المشهور؟ كيف ينظر لها؟
هي بالنسبة لي فرصة للحوار، فرصة للاستماع للآخر، فرصة لأن تكون قريب من الناس، حتى توصل أفكارك في هذا العالم وأن تتفاعل معه. وأنا في الحقيقة لا أراها افتراضية، ففيها شيء من الحقيقة والصدق الذي قد لا نجده في مجالسنا الخاصة التي يغلب عليها طابع المجاملات والنفاق، يغلب عليها طابع الإضمار وعدم التصريح بالآراء والأفكار، بينما وسائل التواصل الاجتماعي – مع ما فيها من شوائب وبلل – إلا أنها تظل أكثر صدقا ووضوحا، حيث الساحة مفتوحة لحوار الأفكار مع أناس ليسوا قريبين منك، من كل أنحاء العالم، فلو لم تكن هذه الوسائل موجودة لم تكن لتعرف حتى أن هذه الأفكار موجودة أساسا، لذلك هي تعني لي الكثير صراحة.
س: ماذا كان هدف علوي المشهور من الدخول في عالم وسائل التواصل الاجتماعي؟
كان هدفي من البداية هو الاطلاع على ما هو موجود، تحاول من خلالها أن تعرف أوضاع البلد في أي اتجاه يسير، وأفكار الناس إلى أين تتجه، دخلت وسائل التواصل الاجتماعي بعد أحداث ما سمي بالربيع العربي، كان في تلك الفترة الفيسبوك يلعب دورا قويا في تلك الأحداث وكان يؤدي دور البرلمان المفتوح، ليس فقط في السياسة بل حتى في القضايا الدينية والاجتماعية والاقتصادية، وكانت فرصة للاطلاع على كثير من الأفكار وطريقة تفكير الناس من خارج الدائرة الاجتماعية التي تعيش فيها، كان شيء عظيم بالنسبة لي، وكانت الناس فعالة بشكل كبير في تلك الأيام لأن الناس تذوقوا حينها شيئا من الحرية التي كانوا يفتقدونها.
س: من خلال التجارب الكثيرة في منصات مختلفة، هل يلعب علوي المشهور دور المؤثر أو المتأثر في وسائل التواصل الاجتماعي؟ أم أنه يجمع بين الدورين؟
يعتمد على القضية المطروحة، فبعض الأمور كنت فيها متأثر بالجو العام في البلد، وفي أمور أخرى أعتقد أني كنت مؤثر عندما طرحتها للنقاش، بعضها لم تكن رائجة للنقاش في عمان بشكل كبير، فقد طرحتها بنوع من الجرأة، لكن الإنسان في كل الأحوال كائن متفاعل، يتأثر ويؤثر، ويتكلم ويستمع، وكل ما كانت هذه التفاعلات مع محيطك متزنة كان أفضل بطبيعة الحال، الاتزان الذي يجب أن يبدأ من داخلك أثناء هذا التفاعل.
س: كيف ترى تفاعل العمانيين في هذه المنصات؟ كيف تقيم ديناميكية تفاعلهم؟
أرى تفاعل العمانيين أنه خجول، ما زال متردد، لكن قيود الخوف بدأت تُكسر بالتدريج بسبب الظروف الاقتصادية، فكل ما زادت الأوضاع الاقتصادية سوءا أصبح الناس يتكلمون في السياسة والاقتصاد والظروف الاجتماعية وكل شي تقريبا، لكن كلما تحسنت الظروف الاقتصادية وأصبح الناس في منطقة الأمان تأتيك العبارة العامية “مو الوازي”، بمعنى أنه ما الداعي لهذه الأمور. أحيانا الأزمات تجعل الإنسان جريء في طرح ما يؤمن به، فهو يشعر أن الواقع يحتاج إلى بديل بغض النظر ماهية هذا البديل الذي يتخيله أو يروج له، لكن بشكل عام أشعر أن العمانيين ما زالوا مترددين، ويضمرون أكثر مما يظهرون، لا يميلون للتصريح ولا للتجريح، وهذا الشيء بالطبع فيه جوانب إيجابية حيث اللغة الهادئة واللطيفة لكن الكلام حينها يكون مبهما، وهذا ما ألحظ تغيره تدريجيا مثلما أسلفت.
س: كيف تقيم مستوى الوعي الجمعي العماني في هذه المنصات؟
لا بأس به، جيد، ولكنه ليس بممتاز، ويمكن أن يكون أفضل مما هو عليه، ومن الأشياء المؤسفة في عمان أن هناك أناس لديها وعي وثقافة واطلاع لكنهم لا يتفاعلون مع منصات التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال في المملكة العربية السعودية تكاد تجد في كل مجال هناك أناس يمثلونه في هذه المنصات، وبشهرة وتمكن واسع جعلت من الناس مرتبطين بهذه الشخصيات عند التحدث عن مجالاتهم المختلفة، بينما نحن ما زلنا في عمان نفتقد تلك الثقافة التخصصية في وسائل التواصل الاجتماعي، ونفتقد حتى للبعد التفاعلي القوي، وهذا ما يجب أن يتغير، لذلك الناس الممتلكة للمعرفة يجب أن يخرجوا زكاتهم، وزكاة معرفتهم أن يتواصلوا مع الناس ويعبرون عن تلك المعرفة، وهذه هي زكاة العلم.
س: ما مدى واقعية وحقيقة الرأي العام الذي يظهر في وسائل التواصل الاجتماعي؟
بالطبع ما يظهر في وسائل التواصل الاجتماعي لا يشكل كل الرأي العام، لأننا إذا قلنا بذلك سنكون قد وقعنا في مغالطة، لأن الناس الذي يدخلون برامج معينة هم شرائح معينة من المجتمع، فالجو العام في عالم تويتر يُظهر اهتمام بالسياسة والشأن العام، اهتمام بالثقافة والفكر، وهذا ما ينعكس على طبيعة الناس الموجودين في تويتر، وبالتالي هم يتوقعون أن جميع الناس لديها نفس هذه الاهتمامات، وهذا غير صحيح، لأننا إذا ذهبنا إلى عالم الانستغرام سنجد أناس مختلفة تماما، أناس تميل للترفيه والضحك، وأي شي خفيف لطيف لا يوجد به بعد سياسي أو فكري، فكل وسيلة هي تعبر عمن فيها، لذلك هي تعبر عن جزء من المجتمع وليس كله، لكن يجب أن نأخذ في الحسبان أن هذا الجزء حقيقي وموجود، لا نستطيع ان نقول أنها لا تعبر عن الواقع، بل هي تعبر عنه بطريقة أو بأخرى.
س: كيف ينظر علوي المشهور لمعضلة “من يقف خلف الترند”؟ (شاركنا تجربة رفع هاشتاغ #باحثون_عن_عمل_يستغيثون و #المطبل_الأعظم)
آلية رفع الترند في عمان لها عدة أشكال، واحد من هذه الأشكال أن تكون القضية موجودة، وما عليك إلا أن تكثف جميع الجهود في هاشتاغ واحد من قبل المعنيين بهذه القضية، من تجاربي الشخصية في رفع كثير من الهاشتاغات إلى الترند، ولا أعتبر أن هذا إنجازا بالمناسبة، هو أن تفهم الرأي العام إلى أين يتجه – وهذا لا يعني أن تذهب مع الرأي العام إلى حيث يتجه – وأن تفهم المزاج العام أيضا، ثم تكون شبكة من العلاقات الجيدة الطوعية والتي تكون غالبا في اللاوعي عند أفراد هذه العلاقات، فعندما أنشر هاشتاغ معين لا أطلب من أحد التفاعل معه لكنني أضمن أن هناك أناس سيتفاعلون معه مباشرة، لأنه أصبحت هناك علاقة فكرية بيننا، حيث نؤمن بنفس القضية والفكرة، فيتم التفاعل طوعا دون إكراه أو طلب.
س: كيف تقيم تعامل السلطات في عمان مع ما يحدث من تفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي، من ناحية التجاوب ومن ناحية التوجس؟
تفاعل السلطة مع ما يحدث في وسائل التواصل الاجتماعي متفاوت، أحيانا يكون فيه نوع من الاستماع وجس النبض وهي محاولة لفهم توجهات وميول المجتمع، لكن أحيانا يحدث العكس، حيث يتم استخدام الجيوش الالكترونية لتوجيه الرأي العام باتجاهات معينة تريدها الحكومة، لكن المشكلة التي يمكن أن تحدث هنا أن البروبغاندا الاعلامية التي تشكلها هذه الجيوش توهمك أن هذا هو الرأي العام، وهنا يمكن أن ينفجر الرأي العام الحقيقي فجأة وسط كمية التضليل والنفاق والمجاملات التي كانت تحدث، فالعلاقة هنا بين السلطة والرأي العام تصبح غير قائمة على الثقة بل على الخوف، وهذا ليس من صالح الحكومة التي بعكس هذا يمكن أن تفهم المجتمع بشكل أفضل من حيث ميوله والأشياء التي يريدها والأشياء التي ينبذها، وهذا يخدم الحكومة لو تأملت فيما ماذا يريد المجتمع، ومثلما ذكرت أن الحكومة تلجأ للاستماع أحيانا من خلال تواجد صفحات لأغلب الجهات الحكومية على منصات التواصل الاجتماعي، وهو أمر جيد، لكن الأهم عن التواصل نفسه هو ما بعد التواصل، حيث يجب أن يصل الحوار للمسؤول ويتحقق في النهاية.
س: بعيدا عن أزمة تعريف المثقف، من هو المثقف في وسائل التواصل الاجتماعي من وجهة نظرك؟
المثقف في وجهة نظر الكثيرين هو من يتحدث عن المسكوت عنه، هو من يكون بمثابة ضمير المجتمع، هو من يكون إنسان حقيقي يتفاعل مع محيطه، من لديه القدرة على تشخيص الحالة وعرض الحلول، وتهمه المصلحة العامة، هو من يمتلك قضية يمثلها ويناضل من أجلها، حيث يكون قادر على أن يتكلم حينما يسكت الجميع وربما يدفع الثمن أحيانا، هو من يكون صاحب مبدأ ورؤية. (المحاور: بناء على هذا التوصيف هل يمكن أن نعتبر علوي المشهور مثقفا؟، الضيف: أنا لا أقيم نفسي، الناس هي من تقيمني، أنا فقط أحاول أن أكون إنسان صادق وواضح وصريح وشفاف وهذا ما أسعى إليه).
س: يصعد الكثيرون في هذه الوسائل كأناس مثقفون وأصحاب قضايا وقادة للرأي العام، لكنهم في الواقع لا نكاد نرى لهم أي بصمة، ما رأيك بهذه الظاهرة؟
صحيح، هناك أناس كثر يظهرون على منصات التواصل الاجتماعي، ويبرزون على أنهم مؤثرين في الرأي العام وهم مفرغين بلا قضية وبلا فكر ولا رأي، لكن في النهاية يبقى أن لهم الحق أن يتفاعلوا ويشاركوا ويكونوا جزء من المشهد، أعتقد انه حتى لو اختلفنا مع أي أحد لا يحق لنا مصادرة رأيهم وحضورهم، لكن من المفترض أن المجتمع هو من يفرزهم، وتكون هناك آلية فرز طبيعية حيث يأخذ الطيب ويترك السيء، يعزز من المحتوى الجيد وتترك المحتوى الذي ليس له معنى، فلو التزم المجتمع بشيء من هذا القبيل فحتى من ليس له محتوى وقيمة وفكرة، سيحاول أن يقرأ ويتثقف ويطلع ويطور من نفسه حتى يستطيع أن ينال القبول، لكن عندما تبحث المجتمعات عن السخافة والتفاهة والأشياء التي ليس لها معنى، حتى من يمتلك محتوى وفكر وهدف ستجده مع مرور الوقت يصبح سخيفا وبلا قضية لأن “السوق عاوز كده”، فالصراع هنا هو كيف تبقى على مبدأك حتى لو كان هو خلاف ما هو متوفر في السوق ولدى عامة الناس وما هو مطلوب، وهذا ما يجب على المثقف أن يصارع من أجله.
س: هل من نصيحة إلى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي؟ (أفضل طريقة للاستفادة منها مثلا)
أفضل طريقة للاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي هو ألا تحكر نفسك في توجه ورأي واحد، ولا تستمع فقط لمن يشبهك بل استمع وحاور الجميع، حاول أن تكون متواضعا في نظرتك للأمور، فلا تعتقد أنك دائما من يملك الحقيقة المطلقة وغيرك دائما على خطأ، بل على العكس، استمع لمن تختلف معه أكثر عمن تتفق معه، لأن الذي تتفق معه غالبا لن يضيف لك أي شيء، لكن من يختلف معك هو من يمكن أن يضيف لك، لأن لديه آراء وقراءات وتصورات مختلفة، واستماعك للمختلف عنك يحتاج للتواضع المعرفي، ودرجة من الموضوعية، التي أصبحت مفتقدة ويفتقر لها الكثير. الإنسان ميال بطبيعته لمن يشبهه، لذلك حاول أن تتغلب حتى على نفسك لتزيل هذه النزعة.