الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
لازلت اذكر جيدا أول حادثة انتحار لمريض مصاب بالاكتئاب ، كنت حينها أتدرب في أحدى مستشفيات الطب النفسي في لندن ، ففي صباح يوم بارد من شهر أبريل وقبل بدأ الاجتماع الصباحي همس لي الطبيب الاستشاري بأن المريض الفلاني قام بشنق نفسه في الجناح بعد أن غافل الممرضات ، كان المريض يناهز السبعين من العمر ويعاني من الاكتئاب الشديد وقد حاول من قبل أن ينهي حياته قبل دخوله إلى المستشفى مما استدعى ترقيده في جناح الطب النفسي لبضعة أشهر ، صعقت لذلك الخبر رغم أنني لم أكن المسؤول المباشر لعلاج ذلك المريض فكل المسؤولية تقع على الاستشاري الذي يقوم بوضع الخطة العلاجية ، تزاحمت الأفكار والمشاعر في داخلي حتى أذا ما انتهى الاجتماع الصباحي طلب منا الاستشاري البقاء لمناقشة حادثة الانتحار ليتمكن كلنا منا عن التعبير عن مشاعره ولنجتاز تلك المحنة سويا ، تناوب الزملاء في التعبير عن مشاعرهم المختلفة والتي كنت أشعر بها أيضا لكنني آثرت الصمت ، كنت أشعر بالحزن لأجله ، و بخيبة الأمل لأننا لم نستطع إنقاذه من الانتحار و بل أحيانا بالغضب منه ، لأن فعلته تلك ستجر الفريق الى تحقيق دقيق نحن في غنى عنه ، أكد الاستشاري بأن الهدف من ذلك الاجتماع هو التعامل مع تلك المشاعر وليس توجيه أصابع الاتهام نحو فرد بعينه، لكن كلماته تلك لم تنجح من إخراجي من الصمت الرهيب ، حتى بعدما سألني مباشرة عن مشاعري قلت ببساطة ، ” من المؤسف أننا لم نستطع علاجه “.
في ذلك اليوم وأثناء تناول غداء السمك المقلي والبطاطس في كافتيريا المستشفى سألني زميلي البريطاني ” هل تستمتع بوجبتك ” استغربت من سؤاله فلم أفكر سابقا إن كنت أستمتع بوجبة ، أجبته باختصار ” لا بأس بها ” نظر الي ثم قال ” يبدو أنكم غير متعودين على التعبير عن مشاعركم أنتم العرب” .
أستوقفني تعليق ذلك الزميل و تذكرت مقال قرأته لأحد الأخصائيين النفسيين العرب ذكر فيه أن الرجل الشرقي تعود من صغره على عدم التعبير عن مشاعره لان ذلك يعتبر من الضعف كما أن الجيل القديم من الإباء تبرمج على فكرة أن التعبير عن مشاعر الحب تجاه الأبناء خاصة يفسدهم ويعودهم على الدلال ، لذلك ينشأ الرجل على فكرة أن الرجال لا يبكون لان البكاء للنساء فقط ، هذه الأفكار تنشأ داخلنا دون أن نشعر ونصدرها للأجيال التي تأتي بعدنا دون إدراك منا لذا نجد بعض الرجال غير قادر على التعبير عن حبه لزوجته وتقتصر لغة المشاعر لديه على الغضب والكره ، لأنه في اعتقاده أن التعبير عن حبه يجعله في موقف ضعيف وقد يعرضه للاستغلال.
لا يقتصر التعبير عن المشاعر على عاطفة الحب ،بل يشمل حتى الاستمتاع بنزهة قصيره أو تناول كوب من الشاي أو القهوة أو حتى قراءة كتاب ممتع ، تجدنا أحيانا نفعل كل ذلك دون أن نوقف للاستماع بتلك اللحظات ، لعل الموضوع أزمة تعبير عن مشاعر أكثر من كونها أزمة مشاعر فنحن نحس بتلك المشاعر لكن نختار أن نحتفظ بها لأنفسنا.
والان عزيزي القارئ ، ما رأيك أن تسال نفسك بعد أن تفرغ من تناول قهوتك هل استمتعت بذلك؟