الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي الحادثة التي وقعت في مدينة المنصورة في مصر حيث قام شاب في كلية الآداب بطعن زميلته في مبنى الكلية وقام بذبحها أمام ذهول الجميع. وحسب رواية أهل الفقيدة فأن الجاني كان يحب الضحية لكنها لم تبادله الحب.
ذكرتني هذه الخالدة بما ورد في كتب علم النفس وهو نوع من الحب يكون طرف واحد ويعرف بمتلازمة “الهوس العاطفي” حيث يشغل المحبوب تفكير المهووس طوال الوقت فيكون أهم شي في حياته يتمنى لقائه أو حتى لفت انتبانهه ، هذه الحالة عادة ما تحدث عندما يفوق إعجاب أحدهم بمشاهير الغناء والسينما ولاعبي كرة القدم الذي يتحول إلى هوس فيقوم المعجب بمطاردة الضحية لاقتناعه بأنها تبادله الحب فيتابع كل تحركاته و يحضر كل المناسبات الاجتماعية التي يشارك فيها و يتتبع حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي ويعتقد بأن كل تصرف يصدر عن ذلك الشخص هو رسالة ضمنية تعبر عن مشاعره تجاهه ، فلو كان الطرف الآخر مطربا مثلا فأن المهووس يعتقد بأن جميع أغاني العشق والغرام التي يغنيها موجهه إليه هو شخصيا. أحيانا يحاول المهووس الوصول إلى مقر سكن المشهور لقناعته بأنه يبادله نفس الحب لكنه لا يستطيع التعبير عن ذلك بسبب شهرته أو لوجود عائق ما ، لكن حالة العشق هذه قد لا تدوم طويلا خاصة عندما يشعر المهووس بأن الطرف الآخر يتجاهله أو لا يشعر به أو ربما يظهر الضيق من ملاحقته فيتحول الحب إلى كره لدرجة قد تصل إلى محاولة الانتقام و التخلص من المحبوب وقتلة لاقتناعه بأنه يجب أن يكون له وحده ولن يسمح له بأن يكون لغيره.
تشير الدراسات العلمية أن متلازمة الهوس العاطفي عادة ما تصيب النساء بشكل أكبر من الرجال ولا تقتصر على المشاهير بل تحدث في العلاقات بين الأشخاص العاديين حيث يقوم أحد الطرفين بالتعلق الشديد بالآخر والخوف من فقده و المبالغة في الغيرة عليه و تتبع خطواته سرا خوفا من أن يكون على علاقة بشخص آخر.
أذكر خلال فترة التدريب في بريطانيا أن أحدى المريضات تعلقت لدرجة الهوس بالمعالج النفسي الذي كان يعالجها من حالة الاكتئاب و قامت بإرسال الرسائل الغرامية له رغم أنها متزوجه ولديها أطفال ، قام ذلك المعالج بنقل حالتها إلى معالج آخر إلا أنها استمرت في متابعته وحتى مع العلاج المكثف لسنوات كانت تستقل القطار كل صباح ثم تمشي من المحطة إلى منزله وتشاهده وهو يغادر إلى عمله هذه ثم تعود إلى بيتها ،كانت تقوم بذلك كل صباح رغم بلوغها الخامسة والستين ولم يستطع زوجوها وأبنائها منعها من تلك الرحلة اليومية. الجدير بالذكر أن مواقع التواصل الاجتماعي قد تسهم في تعزيز أعراض الهوس العاطفي حيث يقوم المريض متابعة الطرف الآخر بشكل يومي ورصد جميع تحركاته وربما التعليق على جميع المنشورات بل ربما يقوم بالتواصل معه ، حتى وأن قام بحضره يقوم المريض بفتح حساب آخر باسم مستعار ويستمر في ملاحقته ، وتتبع أخباره وربما التواجد في الأماكن التي يتواجد فيها.
تصنف كتب الطب النفسي متلازمة الهوس العاطفي بأنها نوع من الأمراض الذهانية وقد يعاني منها مريض الفصام حيث تعتبر قناعة المهووس بحب الطرف الآخر له نوع من الأوهام التي يصعب مناقشتها أو تحديها، وأحيانا نجدها لدى مريض ثنائي القطب حيث تعتبر نوع من جنون العظمة ، هنا يشعر المريض بأنه يمتلك قدرات خارقة وكاريزما قوية تجعل الآخرين يغرمون به.
تعددت النظريات النفسية التي تحاول فهم أسباب الهوس العاطفي وتشير أغلب تلك النظريات عن وجود خلل في شخصية المهووس قد يرجع إلى مرحلة الطفولة وعدم حصوله على الحب أو الاهتمام من والديه في تلك المرحة وربما تعرضه للأهمال للعنف الأسري من أحدها.
ختاما ، فإن الانتباه للسلوكيات التي تشير إلى وجود متلازمة الهوس العاطفي قد يساعد في تجنب المضاعفات وإستشارة الطبيب النفسي في الوقت المناسب.