الصحوة – سميحة الحوسنية
تثاقلت الغيوم الحبلى بعدما عانقها الضباب وأخذ يعتصرها الألم في سماء ملبدة بالآهات، ينشد فيها المطر أنشودة الظلام؛ فتنهال دموعه تحت معاطف الشتاء.
تراشقت النجوم التي تختفي خلف ستار الغسق ويكشفها ديسق الصباح وهي تتراشق النور عند ولادة الفجر فتدب الروح في قلب الحياة.
تبكي طفلة الظلام تحت سقف كوخ متهالك وتبعث آهات مغتربة تأن تحت انقاض الذكريات؛ فتهيج عقارب الساعة وتهرول إلى وقت الغروب لتختفي في أنسجة أوشحة المساء فتغيب ليجهضها الموت في مدافن الغياب.
تبلل معطف الشتاء فغرقت فيه حبات المطر.. تثاقلت أنفاس الليل ومشت الحروف على أصابعها؛ فانكشف ساق الكلمات الذي ينزف بالكلم.. لم تعد الأمنيات تأكل من عشب القمر فمرارته لاذعة.. كم أجهضت أحلام.. وحملت في تابوت الوداع.
تتساقط بنات نعش فوق أسرّة الضباب؛ لتهنأ بالدفء وتتوشح النوم فتغمض عيناها.. تحلم بأمسية جميلة وأرجوحة زهرية مطرزة بالورد ونجوم المساء تطير بها في فضاءات واسعة مفعمة بالحب.. وتعزف لها سيمفونية الأمل والحياة.
ستغرد عصافير الوجد وستتراقص الأحلام على أوتار من نور.
هناك عند شجرة الصفصاف أسمع نحيب وبكاء لروح تلملم خيوطًا من أنسجة الماضي.. ترتدي معطفًا كبياض الثلج.. غارقًا تحت المطر.. تستجدي الدفء لتلك الأيام الخوالي.. وذكريات تفيض بالأشَواق .. لنغمات الهواء على أوتار الغصون.. وتصفيق الأوراق على ضفاف نهر وردي يعشق الحياة.
وأرواح تائهة كم وقفت تراقب خطوات جحافل الحروف والأبجديات تقف عند عتبة الورق الممزق وتنهمر كالسيل.. تغزو سفوح الأسطر وتفيض أحواض الورق بقرمزية الكلمات التي بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة..
ولطاما كانت الامنيات تتحول إلى فراشة فيروزية تتجول في تلك الأحواض كلما كتبت إليك قصائد الغزل والحب على خريف ورق الصفصاف.
عن تلك الشواطئ الملتهبة حدثوني.. مازالت ترصد حكايتها وذكرياتها على الرمال، وتضحك كل ما عانقها الموج.. هل مازالت خطوات الحصان الأبيض تطبع قبلاتها برفقة ذلك المجنون الذي يبحث عن قصاصات الحب في قلب الصدف أم رحل كل شيء في غياهيب الظلام بلا عودة… نام الليل في حضن المساء لتوقضه قبلات عذرية من طفلة ضفائرها معطرة باللبان.. تجري على تلك الشطآن وتزين معصميها بالصدف ونجمات البحر وتحول بعبير عطرها الياسميني أجواء المساء إلى أمسية حب وسعادة وجمال..هل مازالت تغزو أطيافه وتنثر الورد لتهيج أمواج البحر وتتراقص دلافينه في ليلة سمراء ويضع رسائله المجنونه في بريد الاصداف.