الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
هكذا هو الحال في بعض الدول العربية تدور الرحى ولكنها لا تنتج دقيقاً ، وإنما تنتج وتفرز مرّاً علقماً ؛ تتجرعه الشعوب – للأسف – بسبب الحروب والنزاعات الداخلية المصطنعة والممولة والمدفوعة دفعاً إمّا من الخارج المتربص المستفيد ، وإمّا من الداخل النافذ المتأصل الخبث المجبول على التملك والسيطرة ، كل ذلك من أجل ألا يفقدوا سلطتهم أو سطوتهم ونفوذهم ، ولئلا تفوتهم تقاسم الغنائم والثروات ، ولا يهمهم قتل وترويع وتشريد السكان ليعشو لاجئين غرباء في أوطان غير أوطانهم يمتهنون أية أعمال ؛ لكي يوفروا الحد الأدنى من لقمة العيش ، وكسوة بالكاد تقيهم شدة البرد القارص ، أو تحميهم من حرارة الشمس الحارقة ، المهم أن هؤلاء لا يفقدون ذرة من امتيازاتهم ، فقد اعتادوا العيش في النعيم الدائم والرغد الذي لا ينقطع ، ينامون في قصور وفرش منعمة ، وسرابيل تقيهم البرد ، وسرابيل تحميهم من الحر، دون إكتراث لما تعانيه شعوبهم من الذل والهوان والقهر .
إنّ هواة الدم المستباح والقتل والخراب ، قد طمست أبصارهم ، وانسلت عقولهم من رؤوسهم فهم لا يعقلون ولا يفقهون ولا يعرفون غير آلة الحرب والدمار فهم كالأنعام أو أضل سبيلا ، ارتهنوا للخارج غرباً أو شرقاً ، باعوا الكرامة وحصدوا الندامة التي ستلاحقهم حتى مماتهم ، يجرّون وراءهم الخزي والعار، وذنوباً تنوء من حملها الجبال فلا رحمة ولا شفقة، ولا خوف أو جزع من عاقبة الأمور، يتمسح بعضهم بعباءة الدين، ويلوذ بعضهم برداء الديمقراطية والشرعية ، وما أبعدهم عن الدين وتعاليمه ،
وعن مفاهيم الديمقراطية والشرعية.
إنّ بعض الدول العربية لم تستقر سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً منذ عام ٢٠١١م ، فتكالبت عليها الأمم كما تتكالب الذئاب على قطيع الغنم ، والمؤسف في هذا الوضع المزري أن بعض العرب تعاونوا مع شياطين الغرب والشرق ، فتهاوت صيحات العروبة التي نادى بها فخري البارودي أمام المطامع الشريرة والمآرب الخبيثة ، وانغمسوا في الفتنة وتمزيق الوحدة ، فاستيقضت بنت عمورية من قبرها لتصرخ هذه المرة واعروبتاه، ولكن واأسفاه لم ولن يسمعها أحد .
من هنا فإننا عندما ننادي بوحدة الأمة في بلادنا عمان لا ننطلق من فراغ أو نستهلك كلاماً للتخويف والتهويل ، وإنما ننطلق مما تراه العين وتسمعه الأذن ويعيه العقل في العراق الجريحة ، وسوريا المنكوبة ، وليبيا الغريقة ، واليمن المخطوفة ، والسودان المكلومة ، ولبنان المفلسة، وفلسطين المسلوبة ، والصومال المنسيّة، و يا خوفي على تونس ، فها هي تقترب من الوقوع في حفرة عميقة حفرها أبناؤها بأنفسهم .
إي وربي ، ننطلق من حرص شديد على النسيج الاجتماعي لهذا الشعب الوفي لوطنه ، الذي سيقف سداً منيعاً بكل وعي لكل محاولات شقّ الصف وإثارة الفتنة أياً كان نوعها ومصدرها وغايتها، ولن تنجح بعض الأفكار الهدامة التي يروج لها أبناء جلدتنا للأسف ، صنعها الغرب فانساقوا وراءها وانخدعوا بها ، ولو أنهم امعنوا لاكتشفوا زيف وبطلان هذه الأفكار وتبينوا أنّ مقاصدها خبيثة ، كخبث إبليس عندما غوى آدم وحواء ليأكلا من الشجرة الملعونة ويخرجا من الجنة .
قد يكون هذا الكلام مكرراً ، لكنه تكرار محمود ومقصود ، إذ أننا نلحظ أنّ العالم يعيش أزمة أخلاقية ، وفي تسابق محموم على النفوذ والسيطرة ، ويسير نحو انحطاط أخلاقي ممنهج ومقصود ، وتحديات جمة تهدد الشعوب في أمنها واستقرارها وأخلاقياتها وسيادة دولها .
سأظل داعياً للوحدة الوطنية ومدافعاً عن حياضها ما حييت ، وسيظل المخلصون الأمناء والأوفياء لهذا الوطن والحافظين عهودهم على ذات المبدأ ، وسنقول كلمة الحق مهما كانت الكلفة وكل شيء يهون من أجل عمان وكرامتها وعزها وشموخها واستقلالها .
ونسأل الله أن تنزاح الغمة عن كاهل الشعوب العربية كافة .