الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
صلالة عروس الخليج.
قال أحدهم ذات مرة وهو على رأس عمله : سأجعل من عمان – سياحياً – نرويج الخليج .
أما الذي تلاه ، فقد قال : نحن نعمل بصمت .
وفي كلتا الحالتين لم نطُل بلح الشام ولا عنب اليمن ، فقد تعودنا على مثل هذه التصريحات المفرقعة بخاصية المغناطيسية التي تخدرنا وتوهمُنا بأنّ السياحة لدينا – على أيديهم – ستحتل المرتبة الثانية للدخل القومي بعد النفط ، وربما قبل النفط باعتباره مصدراَ ناضباً وغير ثابت ، في حين أن السياحة مصدر ثابت ويمكن تطويره واستدامته في دخلنا الوطني، فدلالة التصريحات تنبيء أننا أمام عقلية أدركت مفهوم السياحة وأهميتها
لا أميل إلى النقد المفرط وغير المعتدل ، ولكن كلمة حق يجب أن تقال لا تقدح في عمل أحد ، ولا تنتقص من شأن شخص بعينه ، وإنما القصد تسليط الضوء على الفعل والعمل ، بهدف المكاشفة من أجل المقارنة ومن ثم التصحيح
إن قطاع السياحة لم يحظ بالعمل الجاد المبني على رؤية واقعية ، توظف المعطيات المتاحة واستغلالها الاستغلال الأمثل ، على الرغم من أنّه تم تخصيص وزارة مستقلة له في مرحلة من مراحل نهضتنا المتجددة ، وفي المرحلة الحالية تمّ إلحاقه بقطاع التراث الذي يشكل توأمة معه ، وهذه التوأمة عضد له.
وليس من باب المبالغة إذا قلنا بأنّ لدينا مقومات سياحية غاية في الروعة والجمال ومتعددة الأنواع ، وتغري الذائقة الخليجية والعربية والدولية ، قد لا تتوافر هذه المقومات لدى دول أخرى كثيرة ، لكنها جعلت من السياحة لديها حرفة وصناعة ، سخرت من أجلها المقومات المحدودة لديها بصورة جذابة ومبهرة ، فكانت مزاراً على مستوى العام فانتعش الاقتصاد الوطني بقطاعيه العام والخاص ، ولا أريد أن أعطي مقارنة أو أمثلة لهذه الدول ، فما نمتلكه أكثر وأجمل وأكثر تنوعاً .
إنّ الموروث التراثي من قلاع وحصون وافلاج واكتشافات أثرية ، تعطي قصصاً إنسانيّة عن حياة البشر في حقبات تاريخية لها عشاقها ومحبّوها من دول العالم المختلفة ، بلْ الشواطيء التي تتميز بنظافتها وامتدادها على مرمى البصر إلى جانب الجزر المنتشرة الكثيرة ، كجزيرة مصيرة وجزر الحلانيات . وللبحر رواده وعشاقه يحاكون معه الجمال المبهر ، فللجزر قصص لها لغتها ومفاهيمها الخاصة .
والجبال وأولها الجبل الأخضر وجبل شمس وتلك الطبيعة الجبلية التي حبا الله بها محافظة مسندم لن تعدم من زوارها وهواتها ، فإذا أضفنا لها الكهوف مثل كهف مجلس الجن وكهف الهوتة الذي يفتح للسياح اسبوعاً ويغلق شهراً أو أكثر ، والعذر إجراء الصيانة .
نأتي إلى محافظة ظفار ، وصلالة بالذات عاصمة الجمال وساحرة الجزيرة العربية التي تنفرد بمناخ فريد في فصل الصيف ، مناخ تتكامل معه الخضرة والعيون المائية التي تنبع رقراقة ، والسماء المحملة بنعمة الرذاذ وهو يتساقط وكأنه كريستالات ودرر منثورة ، والهواء العليل المتفرد في هذا الفصل شديد الحرارة في الجزيرة العربية ، كل هذا وغيرها من مفردات السحر والجمال والخيال ، ولكنها الحقيقة التي تتجاوز الخيال بمئات السنين الضوئية .
والسؤال الذي يطرحه كل عماني وعمانية وكل زائر لهذه المدينة المتلونة بكل بلوحة فنية صنعها الخالق ، وما احسنها من صنعة ، فهل استفدنا من هذا كله ؟ وهل وظفنا إمكانياتنا للترويج والاستغلال الأمثل لموسم خريف صلاله ؟ إن الاجابة الصريحة والفعلية تقول لا ، والحال الذي لا يتغير يغني عن السؤال ، وفيه الخبر اليقين .
كنت في هذا الوقت في صلالة قبل جائحة فيروس كورونا أي عام ٢٠١٩م ، وها آنذا اعود إليها لأجد الشوارع مزدحمة ، والمرافق غير متوفرة كما هو مؤمل ، بل لنكن صادقين مع أنفسنا، فإنّ صلالة ينقصها الكثير والكثير حتى تمتلك مواصفات لتكون منطقة جاذبة للسياحة الداخلية والخارجية ، فالطبيعة وحدها تحتاج إلى ما يعضدها لتكون أكثر جذباً للسيّاح .
لست أدري هل هي أزمة عقول ؟
لا أظن ، فلدينا عقول مبدعة ومبتكرة إذا ما أعطيت الفرصة ، إذن هل هي أزمة إمكانيات مادية ؟ كذلك لا أعتقد ، فنحن ننفق من الأموال على أشياء ليس لها مردود اقتصادي ونتباهى بها .
ومرة أخرى نعود للتساؤل هل هي أزمة تخطيط وسوء إدارة ؟ وهذه المرة أجيب دون مواربة ومناورة ؛ نعم هي كذلك أضف إليها احتكار القرار في شخص أو أشخاص بعينهم ، على اعتبار أنهم أهل الخبرة والدراية ، وبالتالي عدم إشراك الآخرين خوفاً أن تطير الكراسي فيجلس عليها غيرهم ، أو ينسب الفضل لغيرهم ممن هم أجدر منهم .
إن صلالة وغيرها من المناطق السياحية في عماننا الغالية تحتاج إلى اهتمام وتنظيم ، يواكب المرحلة الحالية والمستقبلية في ظل توجه العصر السعيد لتنويع مصادر الدخل ؛ مواكبة لرؤية عمان ٢٠٤٠ ، فلتكن تصريحاتكم قائمة على الفعل من منطلق الواقع والقدرة ، وليس الضجيج ، كما وليس الصمت المطبق .
واعذروني إن أنا تجاوزت خطوطكم الحمراء الوهمية التي ابتدعتموها، فوالله لم يكن هذا إلا حرصاً وحباً لعمان الذي نشترك وإياكم فيه ونعمل من أجله ، والله يشهد على ما نقول ، ودمتم في أمان الله وحفظه ، وعاشت عمان حرة أبية .