الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
عندما يرتفع ويعلو صوت الحكمة الهادئة الرزينة ، يعم السلام وتنطفيء نار الفتنة وتستنشق النفوس نسائم الهدوء والاطمئنان ، في أوقات اشتداد الأزمات الطاحنة ، فتغلب على صوت رصاص البنادق ودويّ المدافع ، وأزيز الطائرات الحربية ، فيخرج الناس من ملاجئهم ويتنفسون الصعداء وتلوح في الأفق آمال الوفاق والاتفاق ، فيحدون من اعتادوا اللواذ بهم ، والاحتماء بجوارهم ، فلطالما كانوا كذلك ولم يجدوا منهم الخذلان .
ولأنّ عمان وقيادتها الحكيمة الواعية المستنيرة التي تعمل دوماً إلى إشاعة السلم والأمن والاستقرار بين الدول وتدعو إلى الحوار العقلاني البعيد عن التشنجات والانفعالات وردات الفعل ، وتغليب مصالح الشعوب كافة ، فإن كلمتها موثوقة ومسموعة يطرب لها ، لأسباب كثيرة ، لعلّ أهمها : أنها تصدر عن ضمير مخلص لا يرجو جزاءً ولا شكوراً ، وثانيها ، أن الدولة العمانية لا تختلط بمصالح ذاتية أو نفعية لها ، وثالثها ، أنّ عمان لا تتدخل في الشؤون الداخلية للغير إلا بالقدر الذي يؤلف القلوب ويوحد الكلمة والصف ، ورابعها أنّ عمان ترفض رفضاً قاطعاً وحاسماً كحد السيف التخندق في أية محاور لا تخدم الإنسانية ، فالحياد الإيجابي ديدنها وعقيدتها ، والبقاء على مسافة واحدة من أطراف أي نزاع كان منهجاً ومبدأً لا تحيد عنه .
ومن هنا فإن أي جهود أو مساعٍ تقوم بها تلاقي آذاناً صاغية وقلوباً متسعة ، وعقولاً مفتوحة واثقة في مصداقيتها ، خبروها عبر الزمن والمواقف فكانت عند حسن الظن ، فالكل يثق في حكمتها وحكمة سلاطينها العظام الذين خبروا دهاليز السياسة الدولية كابراً عن كابر ، وعندما ينصحون فإنها تكون نصيحة الخبير بعواقب الأمور وبواطنها ، حكمة وهبها لهم الله جلّ وعلا ، لا يتم تدريسها في الجامعات والكليات ، وإنما هي نشأة بيوت الحكمة ومناط الحكم الرشيد ، وتكتسب من ميادين الحياة ومن حبهم الفطري لفعل الخير ، وهي ميزة وبصيرة يتميز بها كل العمانيين لأنّّ دمهم وجلدتهم واحدة ، صنعة ربانية عظيمة القدر والمقدار .
لقد ساهمت عمان وسعت بكل إمكانياتها من آجل الأخوة في اليمن الشقيق ، وها هي للمرة الثالثة تنجح في تمديد الهدنة بين الأطراف المتنازعة تمهيداً لإحلال السلام الدائم ، فكما يعلم الجميع أن الجهود مكثفة والحوار مفتوح سواءً في مسقط أو في أي مكان آخر ، بعيداً عن الأضواء والصخب الإعلامي ، عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ، فإذا خلُصت النوايا وحلّ الصفاء في النفوس، فإن الله لا محالة لن يخيّب رجاء العاملين المخلصين .
لا نقول هذا القول تبجحاً أو مفاخرة أو من باب المنّ والأذى ، حاشا لله ، ولكن نقوله بشهادة الجميع ، وأولهم البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية ، التي ثمّنت هذه الجهود العمانية الصادقة ، ووصفتها بالدور المحوري . ومن المعلوم والمعروف أن الإدارة الأمريكية لا تقول ذلك اعتباطاً ؛ وإنما هي حقيقة شاهدة للعيان لا تخطئها عين إلا عين أصابها رمد ، ولا تنكرها أذن إلا أذنٌ حُجِبت عن السمع .
بوركتِ يا عمان على مر الأزمان ، وكلل الله مساعي سلطانك وولي أمرك ، فإنه الناصح الأمين ، وليحفظك ربّ العالمين في أمن وأمان واستقرار ، ولتظلي شعلة للسلام يستنار بها في دروب الظلام ، فوالله إنها حكمة ورؤية اختصها الله سلاطين عمان وحملوا إشعاعها وعنوانها بتفانٍ وإتقان .