الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
لا يخلو مجتمع من المجتمعات البشرية من مشاكل اقتصادية أو اجتماعية تلقي بظلالها على حياة الأفراد بنسب متفاوتة ، وتزداد هذه المشاكل في الأزمات الاقتصادية العالمية التي تطال كل دول العالم بلا استثناء فتسبب ركودًا اقتصادياً ، يكاد يشل كل مفاصل الدولة ويؤثر على حيويتها ونشاطها وإنتاجها المعتاد ، بل ويصيب خطط الدولة الهادفة للتطوير والتنمية إلى التعثر الشديد ، ينتج عن ذلك ازدياد الباحثين عن عمل ، فتضعف دخول الأفراد بوجه عام ؛ فيخلق نوعاَ من عدم الرضا يصل أحياناً إلى حد التذمر والحنق من السياسات التي تتبعها الحكومات خاصة عندما تترجم هذه السياسات إلى خطط إصلاحية بعيدة المدى ، الهدف منها رفع مستوى المعيشة للمواطنين بالتأكيد ، وقد يصاحب تطبيق مثل هذه الخطط الإصلاحية في البداية إجراءات صعبة وقاسية ، قد لا يتحملها المواطن ، وهنا يتوجب على أصحاب الشأن مراقبة هذه الخطط وتقييمها بشكل مستمر ، ومراجعتها لمعرفة الإيجابيات والسلبيات ، حتى إذا طالت تأثيراتها المواطن ، عمدوا إلى التخفيف من حدة تلك الآثار ، ومعالجة أوجه الخلل ، ذلك أنه من الممكن اختلاف الجوانب النظرية عن الواقعية ، وقد تتدخل ظروف أو عوامل غير متوقعة أصلاً، فيزداد حجم المشكلة عمقاً وتأثيراً سلبياً غير محسوب العواقب .
ما يلفت الانتباه حقاً ، أنّ البعض من أبناء هذا الوطن الغالي ، لا يقتصرون على النقد البناء الهادف ، بل يغالون إلى حد طمس الحقائق والمنجزات ، والتي هي بالطبع حق من حقوقهم على الدولة ، كما أن من حق الدولة على المواطن أن يذكر ذلك بالحسنى وعدم الإنكار، فلا يمكن تصوير كل شيء بالسوء المبالغ فيه ، وبإسلوب قتامي أسود فيه نوع من التهييج والتحريض وقلب الحقائق ، وإن كنا نعذر البعض ، أن ذلك ناتج في بعض الحالات عن الإحباط وعدم القدرة للوصول إلى الهدف الذي يريد ، وهو يفعل ذلك وفي ذهنه أنّ أسلوبه هذا سوف يلاقي استحساناً وقبولاً وافراً من أفراد المجتمع ، وهذا يُبعدنا كثيراً عن حقيقة الأشياء ومصداقيتها .
إنّ النقد حالة إيجابية مطلوبة ، ولكن عندما يكون النقد صحيحاً ومتوازناً ، ينمّ عن الحرص الشديد والمسؤولية الواقعية الواعية ، أما النقد اللاذع غير المسؤول فإنه لا يخدم الصالح العام بقدر ما يُسيء الشخص لنفسه أولاً ، ولغيره ثانياً ، وتصل ذروة خطورته عندما يصل الشخص بتسفيه كل الأشياء وتحقيرها ، وينكر الحقائق الماثلة للعيان تحركه نوازعه ومصالحه الشخصية بإظهار دور البطولة المتصدر في الحديث عن هموم الوطن والمواطن ، ويتناسى في فورة الاحتقان والزهو الذي ينتابه وهو يتحدث ؛ أن الدولة أقرب ما تكون إلى جانب الوطن والمواطن وترعى مصلحتهما .
إنّ التنكر للإنجازات الماثلة للعيان ، والجهود التي تُبذل من قبل المخلصين من أبناء الوطن بصورة مجحفة وغير منصفة ، لا يمكن أن يكون نقداً بناءً ، وإنما هدماً لكل ما هو جميل ، وليس هذا من باب حرية الرأي والتعبير عنه ، فحرية الرأي يجب أن تكون معقولة مبنية على الحقائق ومستندة إلى أدلة أو قرائن واضحة ، بعيداً عن إثارة الفتنة وتزييف الحقائق وإعطاء معلومات وأرقام مغلوطة وتصوير المستقبل بلون حالك السواد دون معطيات قاطعة ، فهذا في حد ذاته نوع من أنواع التدليس على الرأي العام ، ولا يمكن قبوله واستساغته .
نعم نريد نقداً وحرية رأي واعية مستنيرة تصلح ولا تفسد ، تبني ولا تهدم ، توحد ولا تفرق ، تستند على مبدأ الاعتدال والاتزان ، لا ضرر فيها ولا ضرار ، وخصوصاً في ظل هذه الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها العالم بأسره .
وحتى لا يُقال بأننا نصادر الفكر أو الرأي والتعبير عنه ، فكاتب هذا المقال ينقد عندما يكون للنقد واقع وموقع ، ولكن وأنا في خضمّ نقدي أضع مصلحة عمان أولاً وآخراً ، دون نكران وجحود لكل ما هو جميل ، ليس مطلباً للشهرة أو رغبة في إثارة للفتنة ، لا أهين أحداً ولا اجرح شخصاً ، أُحكم العقل والمنطق ، وقد يحالفني الصواب أو يكون العكس ، والحمد لله .
لنحافظ على مساحة الحرية التي نعيشها ، فوالله إنها متسعة لم تشهدها السلطنة بهذا المستوى من قبل ، ولم تشهدها كثير من دول العالم ممّن تدّعي الديمقراطية .
ولا أخفي سراً بانني أخاف أن يفرط الجمل من عقاله ، لذا فإننا نريد نقداً هادفاً بناءَ ، هدفه عزة الوطن ونسيج مجتمعه ، وليس نقداً بنوازع شخصية مجهولة الهدف والقصد ..