الصحوة – عيسى البوسعيدي
قبل عدة أيام استمعت لبودكاست عربي شهير ، كان ضيف اللقاء فيه الرحالة عبدالكريم الشطي وهو كاتب وباحث ومهتم بدراسة تاريخ ونشأة القهوة وزار الكثير من بلدان العالم لمعرفة أسرار هذا المشروب الساحر ، والذي بكل صراحة غير لدي الكثير من المعتقدات وصحح لدي الكثير من المعلومات التي أجد لزاما علي مشاركتها إياكم ومنها :
-أصل القهوة كشراب هو ( عدن) اليمن وتحديدا عند فرقة من فرق الصوفية هناك ، بينما كشجرة بداية زراعتها في أثيوبيا وأجزاء من كينيا بالإضافة الى اليمن .
-عدم صحة قصة الراعي والخراف وأنها مجرد أسطورة تاريخية ليس لها أي أساسا علميا أو تاريخيا حسب كلام (الشطي).
-مسار انتقال القهوة من الجزيرة العربية ثم بلاد الشام ثم إسطنبول ثم أوروبا والعالم .
بالإضافة إلى الكثير من التفاصيل الممتعة حول تطور طرق إعدادها واستخداماتها ، والدور الغامض والانتهازي الذي تلعبه بعض الشركات العالمية المتخصصة في تجارة القهوة ومشتقاتها ، و زاد من المتعة طريقة سرد الباحث المشوقة وغزارة المعلومات التي لديه حول الموضوع .
ولا أخفي إعجابي وشغفي بالمواضيع المتعلقة بالقهوة ، خاصة أنها تتعلق بمشروب كان ولا زال جزء من وتراث العربي أينما حل وارتحل ، بالإضافة كونها ترافقنا في جميع تفاصيل حياتنا اليومية ، بعد سماع البودكاست الرائع على الأقل من وجهة نظري زادت الرغبة لدي للبحث عن تفاصيل جديدة حول ( قهوة العرب ) ووجدت أنها تمثل ثاني أكبر سلعة تداولا حول العالم حسب مصادر متعددة ومنها ( ويكيبديا) هذه المرة وليس (الشطي) ، كما كان لها دورا كبيرا في تحقيق تواصل واتصال بين شعوب العالم سواء كان من الجانب الاقتصادي والثقافي وغيرها ، وظهرت بسببها الكثير من الصناعات والشركات العابرة للقارات التي تصنع منتجات القهوة ومشتقاتها .
بعد ذلك دار في ذهني تساؤلا ما الذي يجعل الناس يقبلون على شرب القهوة بشكل يوميا ؟
وهو تساؤلا لم أذهب هذه المرة بالبحث عن إجابة له من خلال ( جوجل ) الذي لا يرد سائلا ،وإنما فضلت أن تكون الإجابة من خلال الأفراد المحيطين بي والذين لا يفارقون القهو ليل نهار ، طرحت السؤال عليهم بشكل عفويا من اجل أن أحصل على إجابة عفوية منهم وبدون تحفظ أو تفكير قد يغلف إجاباتهم بشي من عدم المصداقية وهذا من الدروس التي تعلمتها خلال دراستي لمقرر مناهج البحث ، وعموما وبعيدا عن منهجية البحث العلمي كانت الإجابات كالتالي :
الأول : بصراحة (تعدل) المزاج وكان مسترخيا يعيش اللحظة .
الثاني : بكل تأكيد اعتبرها نوع من الوجاهة و( البرستيج) وخاصة أنني أوثق اللحظة في حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي .
الثالث : اقترب سوف اخبرك بسر وليكن بيننا ، وجدت أبي مدمن على شرب القهوة وانتقل هذا الإدمان الى جميع من في البيت وصار عادة ملازمة لنا هكذا فقط وبكل بساطة .
و كانت إجابات من تبقى لا تتعدى إجابات هؤلاء الثلاثة .
والغريب ان الإجابات الثلاثة لها أصولا تاريخية وطبية ، أدعوكم بالبحث عنها كضريبة لقراءة هذا المقال وما أكثر الضرائب هذه الأيام أعانكم الله .
واذا تتبعنا الإجابات ولعلى استثني ( الثاني) الذي أضاع على نفسه فرصة شرب القهوة وهي ساخنة وذهب يبحث عن زاوية التصوير المناسبة ، نستطيع استخلاص ولو إجابة جزئية لذلك التساؤل كالتالي : أن القهوة كمشروب مرتبط بحياة الناس وتعاملاتهم اليومية ومناسباتهم الاجتماعية المختلفة ،و تضفي نوع من الألفة والراحة والبهجة على تلك التجمعات ، كما يعترها البعض وسيلة من وسائل استمطار الأفكار وتفتح الذهن ( تعدل المزاج ) تذكرون قائلها بالطبع .
ويمكن القول أن القهوة تعدت من كونها مشروبا إلى أن أصبحت تعبر عن ثقافة وأسلوب حياة لدى الكثير من مدمنيها ، وقبل ذلك تعتبر موروثا تاريخيا يعبر عن حياة شعوب وأمم غابرة ، فمن عدن اليمنية الى بلاد الشام ثم إسطنبول ثم أوروبا والعالم كانت رحلة القهوة العربية ، واذا قلنا على سيل الدعابة أن القهوة ذات النشأة والأصول العربية ساهمت في ( تعديل ) أمزجة شعوب العالم فلماذا ما زال العقل العربي متشنجا ؟ عموما ولكي لا يطيل الحديث ويتشعب وندخل في أسباب (تشنج) العرب ، اسمحوا لي أن أحتسي فنجان القهوة الذي بجانبي والذي تتلألأ فيه بلونها البني وتفوح منه رائحة الهيل التي لا تقاوم .