الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
تناقلت المحطات الإخبارية منذ أيام خبر من العاصمة البريطانية لندن حول الطفل ارشي باترسبي ذو الأثنا عشر ربيعًا الذي قام الأطباء بسحب جهاز التنفس الاصطناعي الذي يبقيه حيا . أصيب آرشي بموت في الدماغ بعد مشاركته في تحدي عبر برنامج التواصل الاجتماعي “تيك توك” يقوم خلاله المشارك بحبس أنفاسه حتى يفقد الوعي ، لكن آرشي و حسب المتداول في الأخبار حبس أنفاسه لفترة طويلة مما آدى إلى تلف في خلايا دماغه بسبب نقص الأوكسيجين حتى بعد أن قام فريق الإسعاف بإنعاش قلبه الصغير.
وقعت تلك الحادثة في شهر إبريل من هذا العام و بقي ” أرشي ” في غيبوبة في قسم العناية المركزة بإحدى المستشفيات منذ ذلك التاريخ موصولا بالأجهزة التي تساعده على التنفس والأدوية التي تنظم دقات قلبه والوظائف الحيوية الأخرى ، و بعد الفحوصات والمشاورات قرر الفريق الطبي المعالج وقف تلك الأجهزة مما أدى إلى وفاته. رافق الخبر صور للوالدين الثكالئ وهما يحبسان دموعهما أمام الصحفيين . تفاعل العديد من القراء مع الخبر بين متفهم لما حدث وأن الطفل قد وصل إلى مرحلة الموت الدماغي ولا جدوى من استمراره على الأجهزة ، بينما كان من ظمن التعليقات من يتهم الأطباء بانعدام الرحمة والشفقة وبين متعاطف مع الوالدين وطلبهم في إبقاء الطفل على جهاز التنفس الصناعي أملا في شفائه يوما ما .
ورغم أن مثل هذه الحالات تحدث بشكل دوري في المستشفيات في مختلف البلدان و يعيها جيدا أفراد القاطم الطبي خاصة أولاءك الذين يعملون في أقسام العناية المركزة حيث تكون حالة المريض حرجة ويحتاج إلى عناية طبية دقيقة عادة ما تشمل أجهزة التنفس الصناعي التي تقوم بضخ الهواء بشكل منتظم إلى رئتي المريض حتى يتعافى و يقوم الأطباء بتقليل نسبة إعتماده عليها تدريجيا حتى يستعيد قدرتة على التنفس .
وتعتبر مسألة إبقاء جهاز التنفس من سحبه قضية أخلاقية تبنى على أسس علمية يتم من خلالها تقييم نسبة الحياة في الدماغ وهو الجزء الأساسي المسؤول عن تنظيم عملية التنفس بالتعاون مع القلب الذي يقوم بضخ الأوكسجين إلى مختلف أجهزة الجسم البشري . هذه القضية الأخلاقية تأخذ في الاعتبار مصطلح الموت الدماغي الذي يعرف بالتوقف التام لجميع وظائف المخ الناتج عن صدمة شديدة، أو إصابة الدماغ التي تمنع إمداده بالدم بشكل دائم. ويختلف الموت الدماغي عن الغيبوبة، فالشخص المصاب بالغيبوبة يكون فاقدًا للوعي لكنه لا يزال على قيد الحياة، أما المصاب بالموت الدماغي الذي يحدث بعد نوبة قلبية أو سكتة دماغية فإنه فارق الحياة منذ توقف الدماغ عن العمل، على الرغم من استمرار قلبه في النبض إلا أنه لا يستطيع التنفس إذا تم إيقاف جهاز التنفس الصناعي عن العمل.
وقبل فصل الأجهزة يقوم الأطباء بالرجوع إلى لجنة الأخلاقيات الطبية في ذلك المستشفى أو القوانين التي سنتها تلك اللجنة والتي توضح المواقف التي يتم فيها فصل الأجهزة و التي تستند أيضا إلى إستشارة المجلس الفقهي الإسلامي لكي لا يتهم الأطباء جزافا بسحب أجهزة التنفس من المريض، كما أن عملية تقييم موت الدماغ يقوم بيها طبيبًا متخصصًا في علم الأعصاب وتشمل فحوصات دقيقة لوظائف الدماغ.
ما لا يعرفه الكثيرون أن استمرار المريض على أجهزة التنفس الاصطناعي بعد تشخيصه بموت الدماغ و فقدان الأمل في تحسن حالته يعتبر أمر مؤلم جدا للوالدين و مجحف في حق المريض ، ورغم تفهم مشاعر الأهل ورفضهم للاستسلام إلا أن هذه المشاعر يجب التعامل معها بحكمة ويجب ألا تكون المصدر الوحيد لإتخاذ مثل تلك القرارات الحاسمة ، فمن الطبيعي أن يرفض الأطباء الامل في تعافي المريض و ربما يوجهون اللوم لأنفسهم لانهم تقبلوا سحب الأجهزة التي تساعد المريض على التنفس.