الصحوة – ظافر بن عبدالله بن أحمد الحارثي
كتب وبحوث ومقالات عديدة كتبت بأيدي متخصصون في مجال القانون لبيان علاقة القانون بالمجتمع ومدى ارتباطهما معًا لاسيما عند الحديث عن نقطة الوجود والعدم ومسألة النظام والاستقرار، وفي حقيقة الأمر رسالة القانون وغايته واضحة نستنتجها من المؤشرات الأولية البسيطة التي تستهدفها، بدءًا من تقويم السلوك وتقديمه على المحاسبة وانتهاءً برفد المجتمع منظومة عدلية متكاملة؛ كل ذلك ما هو الا تلبيةً لحاجاتنا إليه، فالقانون هو ترجمة لإرادة الأمة بل والمُعبر عن لسان حال أفراد المجتمع.
في مقالة سابقة لاقت استحسان بعض القراء عنوانها “تتسع دائرة التعامل بالقانون كلما ضاقت دائرة الأخلاق” كتبتها لتسليط ضوء جوهر القانون وحقيقته المتمثل في خدمته للإنسانية وتسهيل ظروف ملائمة لعيش الإنسان كما ينبغي… منتجًا ومتعاونًا يلقى كل حقوقه ويراعي كافة الالتزامات الواجب، قادرًا على حمل مهمة استخلافه في الأرض؛ وعلاوة على ذلك، افتراضه حسن النوايا أولًا والتسليم بفطرة الانسان السوية، واعتماد فكرة التقويم قبل التقرير عندما نكون بصدد فعل مخالف للقواعد القانونية، وكذلك توجيه الوعي نحو الانصياع الطوعي الناتج عن الادراك الحقيقي لدور القانون وأهميته في حياتنا.
وهنا في هذه المقالة استكمل ما بدأته من خلال التأكيد على أن القانون في خدمة الإنسان وكل فكرة عكس ذلك لا تمد للقانون بصلة، بل هي تعسف في استخدم الصلاحيات التي اعتقد معتنقها أن الصلاحية حق وليس وظيفة ومما لاشك بأن هذا المنهج عواقبه وخيمة تطال الأمن القانوني للمجتمع؛ إن الشريعة الإسلامية السمحة تعد أول وأهم مصدر للقانون والتي جاءت فيها إشارات عديدة تكسوها الرحمة والعفو من ناحية، والعدالة والمساواة من ناحية أخرى، لذا قد لا نواجه مشكلة في النصوص التشريعية وإنما نواجه مشكلة في من عهد له مهمة تشريع وتنفيذ القانون، لذا من باب أولى أن يدرك هؤلاء أهمية روح القانون قبل تطبيق القانون، وفهم المبادئ قبل العمل بها، وإذ ما تمحصوا القانون لوجدوا سبلاً وصلاحيات أقرها القانون نفسه حتى تتناسب العقوبة مع الفعل المخالف.
القانون هو بوصلة الأخلاق، أما تقرير العقوبة على الفرد لا تكون إلا بالتناسب مع النشاط الجرمي المرتكب، وما يأتي إلا بعد تشريع المحظور ونشره إلى الكافة، ولا ينفذ ضده إلا بعد ضمان حق الدفاع عن نفسه وعدم تعسف الإجراءات، ثم محاكمته بشكل قانوني يستنفذ من خلاله كافة الحقوق التي يستطيع ممارستها، لذا يفهم من ذلك أن مضمونها يدور حول الحفاظ على الأفراد، وإصلاح المذنب وإعادة تأهيله للانخراط في المجتمع ، إلا أن بعض الحالات ونظرًا لطبيعتها الخطيرة تتطلب إيقاع اللوم والعقاب عليه حتى يدرك المخطئ خطأه، وليعتبر الجمهور منه حتى لا نرى مقدمات ظاهرة سيئة في المجتمع، فهذه القواعد تشبه الأب من ناحية الحرص والتوجيه، وتشبه الأبناء من حيث الخضوع والطاعة لما يحتاجه الإنسان ليعيش في نظام وأمن واستقرار.
“الرحمة فوق القانون” عبارة قوية تذكرنا جميعًا بأن القواعد القانونية تكون مرنة عندما يكون الحفاظ على مصلحة الإنسان هو الأجدر بالتطبيق إذا ما وجد له مخرجًا دون ضرر ولا ضرار، بل إن كسب الأفراد وضمهم تحت فرقة المنضبطين والخاضعين لأحكام القانون أولى من مجرد العقاب الذي قد يُساهم أحيانًا في تعضيد الشخصية الإجرامية وبالتالي خسارة الفرد؛ القانون إنسان من الإنسان للإنسان، لا يتصور وجوده دوننا، ولا يمكن أن يحظى بالتأثير إلا من خلالنا، ومسألة هيبته واحترامه لا تتم دون اعتراف مننا، فلا قواعده تحمل المضرة لنا، ولا نصوصه تفرض أحكامه إلا لصالحنا وخدمتنا.
إن علاقة الانسان بالقوانين هي علاقة ضرورية مبنية على أساس رابط المصير، التي تتولى النصوص القانونية مهمة تفعيلها من خلال مجموعة من القواعد التي تهدف لتقويم وتنظيم سلوكياتنا؛ فالبرغم من أن الفطرة الإنسانية تلد سوية إلا أن مسألة استمرارها راجعة لصاحبها الذي يقرر ويختار، وبالرغم كذلك من غزارة المعلومات الصحيحة وكفائة الطرح إلا أن مسألة الاقتناع والتطبيق لا تتأتى دون أن يصل كل ذلك لمستوى الفهم والإدراك، مما يعضد من دورنا جميعًا أفرادًا ومؤسسات من نشر صحيح القانون وتعزيز جوهره، والذي لاشك من أنه سيحافظ على وجود جيل واع متزن.