الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
باديء ذي بدء ، وبما تفرضه مقتضيات الأمانة العلمية والأدبية ، ومن أصول هذه المهنة التي ارتضينا تعاطيها ؛ أن ننوّه إلى أنّ عنوان هذا المقال ، أخذته عن أحد الإعلاميين العمانيين ، وهو يتحدث في مقطع صوتي عن تأخر إشهار جمعية الغارمين الخيرية ، التي طال انتظارها ، والتي تعلق الآلاف من الغارمين بأهداب الأمل التي رَنت أبصارهم، وهفَت قلوبهم ، ورأوا فيها بصيصاً للخروج من نفق الديون البنكية المظلمة ، وقروض شركات التمويل المجحفة ، التي تستدرج الأفراد في البداية وتفرش لهم السجادة الحمراء المنثورة بالورود ، إلى أن تتمكن منهم وتحكم وثاقها لهم مجبرين ، إذ لا ملجأ لهم سواها للحصول على ما يريدون من أموال ، إما لشراء منزل أو اقتناء سيارة أو لمشروع تجاري أو غير ذلك من متطلبات الحياة ، وما على المقترض إلا تحويل راتبه الشهري الذي ستستنزفه الأقساط أو توقيع شيكات على بياض وموظف الشركة سيقوم بكتابتها وسيتم إرسالها لسحب القسط الذي قد يمتد إلى سبع سنوات أو أكثر، وقد تكون هناك ضمانات أخرى يستوجب تقديمها قبل الحصول على قرض .
إنّ نسبة الفائدة على القروض البنكية وشركات التمويل عندنا مرتفعة ومركبة مقارنة بدول أخرى ، لذا فإنّ المقترض سيثقل بالقرض وفوائده وسيظل مقيد الوثاق أسيراً للمؤسسة المصرفية ، فإذا انقطع راتبه لأي سببٍ كان ، كتسريحه من العمل ، أو رجع الشيك من البنك لعدم وجود الرصيد ، وهنا وبعد أن طويت السجادة الحمراء وازيلت الورود المنثورة سابقاً ، فإن الدرب هذه المرة يقود المقترض إلى مراكز الشرطة أو المحاكم مباشرة في حالة القضايا التجارية دون شفقة أو رحمة ، ولا تجدي حينئذٍ توسلات المقترض ، ولا صوت يعلو حينئذ غير صوت “إما الدفع أو السير في الإجراءات القانونية “.
ولنكن صرحاء أمناء على الكلمة مهما كانت شدة مرارتها وثقل حِملها ، فإن وضع حالة الشيكات المسترجعة والتي تشكل أعلى عدد الجرائم في السلطنة ، فالكل ساهم فيها ، ابتداء من البنك الذي منح العميل دفاتر الشيكات وهو يعلم بأن رصيده غالباً مكشوف ، ثم الساحب المقترض الذي سيدفع كمية الشيكات للمؤسسة المصرفية قد تصل إلى ٧ سنوات يعني ٨٤ شيكاً ، وهو لا يدري كيف ستكون قدرته المالية ليس بالنسبة للشيكات ال ٨٤ ، وإنما للشيك الثاني ان لم يكن الأول . أما المؤسسة المصرفية فإن أردتم الصدق ولا شيء غير الصدق فهي المحرض والمشارك في الجريمة فهي تعلم تمام العلم قدرة وملاءة العملاء الضعيفة ومع ذلك تدفعهم لإحضار الشيكات واستلامها رغم علمهم بما ستؤول إليه ، ولا تخلو الجهات الرسمية من المسؤولية فالشيك كما هو معلوم أداة وفاء ، وليس أداة ائتمان أي أنه واجب الوفاء بمجرد توقيعه ، ومع ذلك سمحت بوجود هذا الوضع الغريب المريب للتعامل بها كأداة ائتمان في ظل غياب متعمد للكمبيالة التي يمكن أن تقوم بهذا الدور .
نعود لموضوعنا الأصيل ، وهو إشهار جمعية الغارمين الخيرية ، التي مضى على تقديم طلب إنشائها فترة ليست بالقصيرة ، في حيرة بين الإجراءات والروتين الحكومي دون أن ترى النور لأسباب غير معلومة على الأقل للمواطنين الذين يرون فيها خلاصاً لهم من ذل الديون للمؤسسات المصرفية التي تستغل حاجتهم وظروفهم ، حتى في ظل أزمة جائحة فيروس كورونا ، إذ أن بعض هذه المؤسسات المصرفية لم يستجب للتعليمات الصادرة عن البنك المركزي لتأجيل الأقساط المترتبة على المدينين ، وبعضها فسرها على هواها ، أما البعض الأخر فاستغل الظروف ومنح التأجيل ، ولكن بفوائد واتفاقات جديدة.
لست أدري لماذا نتباطأ في إصدار التراخيص للجمعيات الخيرية والجمعيات التعاونية ، مع العلم أنّ الجمعيات والفرق الخيرية القائمة الآن أثبتت دورها الفاعل في العمل التكافلي ، وبرز هذا الدور في جميع الظروف والنكبات التي مرت بالوطن ، وقد وصل ببعض الفرق الخيرية قيامها بتشييد مساكن لبعض الأسر المعسرة وترميم وصيانة هذه المساكن ، وكل هذه الجمعيات والفرق الخيرية تشرف عليها الجهة الحكومية المختصة وتحت رقابتها المباشرة ، كما يتم التدقيق على حساباتها.
أشرت في مقال سابق عن احتمالية وجود تخوف لدى بعض الجهات المختصة ، لكن هذا التخوف ممكن إزالته من خلال وجود ممثل للجهة الحكومية في مجلس إدارة جمعية الغارمين الخيرية ولو بصفة مراقب ، كما يمكن إزالة هذا التخوف من خلال الإشراف والرقابة المباشرة على الجمعية بصورة تضمن أداءها وسيرها في السياق الطبيعي للأمور، وتفادي وقوع أية مخاطر محتملة .
إنني لأرجو أن لا يكون السبب كما قال الاعلامي المخضرم ، هو ” تقديم احتمالات الفشل على احتمالات النجاح ” ، ذلك أن العمانيين أثبتوا من خلال كل الأنشطة والجهود الخيرية وغير الخيرية ، قدرتهم على تحقيق النجاحات بامتياز ، شهد به الجميع .
وإذا كانت حصلت إخفاقات في مكان ما ، فيجب أن لا تكون مقياساً وسببًا لقتل أي فكرة مجتمعية إبداعية ، ثمّ إن إشراف الجهة الحكومية يمثل ضمانة موثوقة ، ويمكنها وقف نشاط الجمعية إذا ما قدر الله لها عدم النجاح.
تتجه الأنظار بحسب المعلومات المتداولة إلى مجلس الوزراء الذي سينظر في طلب إشهار جمعية الغارمين الخيرية ، ونأمل أن يسمع المواطنون المعنيون بهذا الخصوص خبراً مفرحاً ، مع تأكيدنا بشكل واضح أننا إذا كنا مع الإشهار ، فإننا كذلك مع حق الجهة المختصة بالإشراف والرقابة على أنشطة الجمعية ، وأرجو حقاً ألا نقدم الشر على الخير ، وألا نجعل احتمالات الفشل أقوى من احتمالات النجاح ، خاصة إذا ما تم تهيئة المناخ والظروف الجيدة للنجاح .