الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
س، ع شاب في بداية الثلاثين من العمر ، دفعه البحث عن الوظيفة إلى مغادرة قريته التي تبعد الآلاف الكيلومترات والاستقرار في العاصمة مسقط ، وبسبب ظروفه المادية لم يكن بأمكانه العودة إلى القرية إلا بعد عدة أشهر ، لم يشتكي يوما من ضغط العمل لكن الشعور بالوحدة يجعله يعيش في دوامة من الروتين اليومي ، فمعظم زملاء العمل متزوجين ولا يريد أن يثقل عليه بطلب الخروج معهم . حاول الجلوس في إحدى المقاهي لكن ذلك زاد من إحساسه بالوحدة في هذه المدينة الكبيرة التي ينشغل فيها الجميع بهاتفه دون النظر إلى من هم حوله ، حسب قوله.
الوحدة هي إحساس معقد يعيشه الأشخاص من مختلف الفئات العمرية و يكون له تأثيرًا سلبيًا على صحتهم النفسية. وحسب تعريف علم النفس فإن الوحدة هي حالة ذهنية يشعر فيها الشخص بالفراغ حتى عندما يكون محاطًا بالآخرين ، وفي بعض الأحيان يتوق الفرد إلى التواصل بالآخرين ولكن حالته النفسية تمنعه من ذلك ، ولعل الأغلبية جرب الشعور بالوحده خلال جائحة كوفيد ١٩ و ما صاحبها من إغلاقات و دعوة للتباعد الجسدي ، كما توجد أسبابًا عديدة للشعور بالوحدة مثل الطلاق أو وفاة شريك الحياة او الانتقال للعيش في مدينة جديدة
كما يشعر الأشخاص الانطوائيون والذين يعانون من تدني احترام الذات بأنهم لا يستحقون رفقة الآخرين لذلك يكونون أكثر عرضة لتجربة الشعور بالوحدة.
تشير الدراسات النفسية الحديثة أن الأشخاص الذين يعانون من الوحدة هم أكثر عرضة للإصابة بمجموعة من المشاكل النفسية مثل التوتر والاكتئاب والتي يمكن أن تكون شديدة بما يكفي لتؤدي إلى استخدام الكحول والمخدرات او الانتحار . و يمكن أن تؤدي الوحدة أيضًا إلى تفاقم مرض الزهايمر إلى جانب بعض المضاعفات الجسدية مثل أمراض القلب والسكتات الدماغية. ولعل فئة كبار السن هم أكثر من يشعر بالوحدة خاصة أولئك الذين يعيشون في المدن الكبيرة حيث يعمل الزوجان ويذهب الأطفال إلى المدرسة ويبقى الشخص المسن بمفرده أثناء الفترة الصباحية مع عاملة المنزل التي عادة ما تكون مشغولة بالأعمال المنزلية وليس لديها الوقت للتفاعل مع الشخص المسن ، وأحيانا حتى مع وجود أفراد الاسرة نجد المسن يجلس بصمت بينما الآخرين منشغلين بالتفاعل في هواتفهم الذكية أو باستخدام منصات التواصل الاجتماعي.
إذن ما الذي يمكننا فعله لتقليل الشعور بالوحدة؟
إذا كان الشخص الذي يشعر بالوحدة في مرحلة الشباب فلعل أفضل طريقة هي تكوين صداقات مع من حوله ، ربما في المسجد أو الصالة الرياضية او الانضمام الى الفرق التي تقوم برحلات داخلية في نهاية الأسبوع والت تتكون من مجموعة من الشباب لا يشترط أن يتعارفوا من قبل ، أما اذا كان المتقاعد هو من يشعر بالوحدة رغم وجوده مع الاسرة فان تنظيم الوقت و تعلم هوايات جديدة يمكنها التغلب على الشعور بالفراغ والوحدة ، وكذلك الرحلات الجماعية أو الالتقاء بالاصدقاء في المقاهي ، كل هذا يمكن أن يساعد في التغلب على الوحدة و تحسين الصحة النفسية للفرد.