الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
تجري الإجراءات والاستعدادت لانتخاب أعضاء المجالس البلدية ، فبعدما تم الإعلان من قبل وزارة الداخلية عن القوائم الأولية لأسماءالمرشحين على مستوى محافظات السلطنة الإحدى عشرة ، وبعد انتهاء فترة الطعن على قوائم المرشحين ، أصبح الأمر الآن أكثر وضوحاً ،سواءً للمرشحين أنفسهم أو للناخبين ، وبالتالي فإن العد التنازلي قد بدأ فعلياً وبات كل مرشح يُعد حساباته ، وما هي إلا أيام وتبدأ الحملةالانتخابية لكل منهم .
تأتي انتخابات المجالس البلدية هذه المرة ، بعد أن تم تمديد فترة المجالس القائمة لتعذر إجراء الانتخابات في موعدها الأصلي ؛ بسببجائحة فيروس كورونا ، كما تأتي في ظل قانون المجالس البلدية الجديد الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم ١٢٦/ ٢٠٢٠م والمعدلبموجب المرسوم السلطاني رقم ٣٨/ ٢٠٢٢م ، والذي جعل ممثلي الولايات في المجلس البلدي لكل محافظة بالتساوي بواقع ممثلين لكل ولايةمهما بلغ عدد سكانها ، على خلاف القانون الملغي الذي كان يضع في الاعتبار عدد سكان الولاية لتحديد عدد ممثليها في المجلس ، والتيكان بعضها يصل عدد ممثليها إلى ستة أعضاء .
كما تأتي انتخابات المجالس البلدية هذه المرة في ظل توجّه الدولة – وهو ما نراه توجّهاً محموداً – لنظام الإدارة المحلية ومنح كل محافظةالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري ، ومنح المحافظ صلاحيات واختصاصات عديدة في نطاق المحافظة التي يتولى شؤونها ،كما خصصت لكل محافظة ميزانية مستقلة يتم رفدها من المخصصات التي تحددها الدولة ، ومن موارد أخرى نصت عليها المادة ٢١ مننظام المحافظات الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم ٣٦/ ٢٠٢٢م ، لتتنافس المحافظات في تنمية نفسها بنفسها ، وهو خيار صحيحوسليم في توزيع الوظيفة الإدارية بين الحكومة والمحافظات ، ممّا يعزز فرص التنمية المحلية ؛ على اعتبار أن كل محافظة أعلم باحتياجاتهاومتطلباتها ، وبأولوية هذه الاحتياجات والمتطلبات على أساس أن القائمين على شؤونها أكثر التصاقاً بالواقع والميدان وباستطاعتهم تقديرذلك .
ولعلنا قلنا وأكدنا في مقال سابق بضرورة توافر عدة عوامل لنجاح نظام الإدارة المحلية ، الذي يدفع ويوجه به جلالة السلطان المعظم ،وهذا ما كان واضحاً في خطابات جلالته السامية وأحاديثه في اللقاءات التي تفضل بها وعقدها مع الشيوخ في محافظات السلطنة المختلفة.
وأول هذه العوامل وجود التناغم بين الإدارات المحلية والحكومة والمضيّ قدماً بعزيمة وإصرار العمانيين لتنفيذ الإرادة والفكر السامي لعاهلالبلاد المفدى ، وأن تحرص الحكومة على تسهيل كافة العقبات والصعوبات التي قد تواجه هذه المرحلة الجديدة من مراحل البناء والتحديثوالتطوير ، ليس لأداء الجهاز الإداري للدولة فحسب ، بل لمواصلة رقي وتقدم عمان ونهضتها المتجددة بقيادة الهيثم المعظم .
وثاني هذه العوامل إدراك المحافظين للمهام الملقاة عليهم وأهمية المرحلة وحساسيتها لتتواكب هذه الجهود مع رؤية عمان ٢٠٤٠ ، التيتهدف إلى استدامة التنمية وتحسين أداء الجهاز الحكومي في تقديم الخدمات للمواطنين والمقيمين بمستوى عالٍ من الجودة والإتقان ، لأنّهدف الدولة يكمن في إسعاد مواطنيها ليعيشوا حياة كريمة في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة .
أما ثالث هذه العوامل ، هو تناغم المحافظين والولاة مع المجتمع والإصغاء لهم بقلب مفتوح وصدر يتسع لكل الأراء والاختلافات إن وجدت ،بل والانحياز لهم ، فالجميع يهدف للمصلحة العامة وليس سواها .
العامل الرابع يقع على عاتق المجلس البلدي لكل محافظة ، وذلك بتفهم الاختصاصات المناطة بالمجلس ، والدور المطلوب منهم ، والبعد عنالنمطية القديمة ، والاستناد إلى مرونة التفكير ومسايرته للتطور والتوجهات الجديدة ، وعلى هذا المجلس أن يُبرهن للحكومة وللمجتمع أنهعلى قدر المسؤولية وأن يعمل أفراده بروح الفريق الواحد ، ومن ضمنهم الأعضاء الذين يمثلون الجهات الحكومية ، ويجب ألا تكون عضويةهؤلاء الممثلين هدفها الدفاع وتمرير أفكار ورؤى جهاتهم ، وإنما النظر في تحقيق المصلحة أينما وجدت . فالمجالس البلدية لم تنشأ لتكونظلاً لهذه الجهات بل للمشاركة في إقرار ما هو أصلح وأولى بالمنفعة للمجتمع .
وعلى ذلك فإننا لا نريد مجالس صورية تعقد اجتماعات تزهو صور أعضائها في وسائل الإعلام ويتم تبادلها في وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما نريد مجالس بلدية فاعلة تقدم الفعل والعمل على القول ، نعم نريد مجالس تخلص في العمل وتعلم اختصاصاتها وتساهم بشكليرضى عنه مجتمعها .
وبقراءة للقوائم الأولية للمرشحين فإنّ عددهم وصل إلى ٧٦٠ مرشحاّ ، يتنافسون على ١٢٦ مقعداً ، والعدد المعلن عنه يعكس مدى الرغبةللمواطنين في خدمة محافظاتهم وهي ظاهرة صحية ، فحق الترشح كفله القانون لكل مواطن تتوفر فيه الشروط التي حددها ونصّ عليهاالقانون ، ويُفترض أنّ كل مرشح وزن كتلته الناخبة وعرف نسبة حظوظه وحسبها بكل الموازين ، فالعملية الانتخابية ليست تجربة أو مغامرةنخوضها مع الخائضين ، فوالله إنها لمسؤولية كبرى وأمانة عظمى .
إنّ الناخب الكريم مدعوُ وهو يضع صوته في صندوق الاقتراع أن تكون مصلحة ولايته ومحافظته ومجتمعه حاضرة في ذهنه مع كلخطوات العملية الانتخابية ، وليكن صوته أمانة لا يمنحها إلا لمن يستحقها ، ولتكن الكفاءة العلمية والخبرة العملية وقدرة المرشح علىالتواصل المجتمعي أساسًا للتمايز بين المرشحين ، فلا مجال للعاطفة أو القرابة أو الصداقة أو الانتماء للقرية أو المنطقة التي يقطن فيها ،فهذه علاقات اجتماعية لها مجالها ، ويجب أن تقوم وأن تقوى ضمن النسيج الاجتماعي والأطر الأخلاقية ، ولكن لندعها جانباً عندما يتعلقالأمر بالشأن العام ومصلحة الوطن ، وليعذر كل منّا الآخر ، فلا وقت للمجاملات والحسابات الشخصية أو القبلية أو أي نوع من انواعالعصبية إذا كنا حقاً نحب عمان ونرجو لها الرقيّ والتقدم والازدهار .
إني وبلا شك أدرك الوعي المجتمعي ، وأرجو من جميع الناخبين المشاركة في هذا الاستحقاق الوطني ، واسأل الله أن تختفي تلك الأصواتالمنادية بعدم المشاركة في الانتخابات تحت مزاعم واهية واهنة وتكهنات غير صحيحة ، بل نشدد على المشاركة لأسباب عدة ، أولها أنّالتصويت حق من حقوق المواطنة الحقة وهو في ذات الوقت واجب من واجباتها ، وثانيها لأجل أن التصويت هو أسلوب جيد للتعبيرالصادقعن رغبة واختيار الناخبين للأصلح والأكفأ والأكثر قدرة على العطاء ، وليكن شعارنا في هذا الاستحقاق هو “ لا صوت يعلو فوق صوتمصلحة عمان وشعبها “ ودمتم في حفظ الله ورعايته ودامت عمان عزيزة شامخة تحت ظل قيادتها الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطانهيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه.