الصحوة – يعتبر الشاب الأمريكي فينياس كيج ذو ال 25 عامًا من أشهر المرضى في علم الأعصاب، ففي عام 1848 تعرض لحادثة أثناء عمله في السكك الحديدية في إحدى المدن الأمريكية عندما انفجر البارود ودخل القضيب الحديدي الذي كان يستخدمه فوق عينه اليسرى مخترقا جمجمته ودماغه مما أدى إلى إصابته بالعمى بعينه اليسرى لكنه مع ذلك لم يفقد وعيه. بعد هذه الحادثة ظهرت على فينياس تغيرات جذرية في سلوكه وشخصيته بشكل عام حيث تحول من شاب مؤدب ومخلص في عمله إلى سكير يتنقل بين الحانات وفقد حماسه للعمل وظهرت عليه العصبية وتقلب المزاج مما جعل أصدقائه المقربين ينفرون منه.
حادثة فينياس كيج جعلت العلماء يكتشفون أسرارا جديدة عن الدماغ البشري وقدرته على التكيف حيث إنه حتى بعد تدمير جزء من دماغ فينياس تمكن الجزء الآخر من القيام ببعض الوظائف، كما أن التغيرات السلوكية التي حدثت جعلت العلماء يدرسون أجزاء الدماغ المختلفة وأهمية الفص الأمامي بالتحديد في تنظيم بعض الوظائف الدماغية مثل تحديد السلوك الاجتماعي وتعلم إستراتيجيات حل المشكلات، والتحكم في المشاعر والتعبير عنها بطرق مقبولة اجتماعيا.
ويتجلى الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الذي ذكر الله تعالى فيه مصطلح الناصية حيث أثبت العلم الحديث أن الناصية التي تقع في مقدمة الرأس الدماغ تعتبر الجزء المسؤول عن اتخاذ القرارات، والكذب والخطأ، وبالتالي فإن الناصية هي من تقود الإنسان لأنها هي المسؤولة عن إصدار الأوامر، ولا يقتصر التلف الذي يمكن أن يصيب مقدمة الدماغ على الحوادث بل قد يكون بسبب الأورام السرطانية أو انسداد الأوعية الدموية وما يصاحبها من سكتات دماغية عادة ما تصيب الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، كمْ تصيب أيضا الأشخاص الذين يعانون من خرف الفص الأمامي والذي قد يصيب الشباب وكبار السن حيث يؤدي هذا النوع من الخرف إلى ظهور أعراض سلوكية يصعب على المحيطين بالمريض فهمها أو التعامل معها والتي قد تشمل انعدام التعاطف وعدم الالتزام بالسلوك الاجتماعي المعتاد عليه وظهور سلوكيات قهرية ملحة تشبه الوسواس القهري فيقوم المريض بتجميع الأغراض وتخزينها في غرفته رغم أنها ليست مفيدة مثل الحجارة وعلب الطعام الفارغة أو يقوم بتخزين الكتب والجرائد القديمة التي لا يقرؤها وليست في مجال اهتماماته. بعض المرضى يكون السلوك القهري لديه يتمثل في الإفراط في تناول الطعام أو إطعام أفراد الأسرة بيده وكأنهم أطفال صغار، أو التسوق القهري وشراء أشياء لا يحتاجها ولا يستطيع تسديد ثمنها خاصة إذا كان الدفع ببطاقة الأثمان ، وقد يقوم البعض بإدمان المقامرة عبر الإنترنت أو تصفح المواقع الإباحية رغم كونه شخصا ملتزما وبعيدا عن تلك الممارسات. وقد يصاب المريض بفقدان الحافز لعمل أي شي فيهمل نظافته الشخصية وقد يبقى جالس على الأريكة ساعات بل أيام إن لم يجد من ينبهه أو يأخذه إلى الغرفة أو دورة المياه.
ومن الأعراض الشائعة أيضا حدوث اضطرابات في النطق وصعوبة في استخدام أو فَهم اللغة المكتوبة أو المنطوقة، وعدم القدرة على تسمية الأشياء، أو استبدال كلمة محددة بكلمة عامة مثل استخدام “هذا” بدلًا من القلم، قد يكون الحديث مترددا ومختصرا جدا، وتكثر الأخطاء في صياغة الجمل، الرعاش ومع تقدم المرض تظهر أعراض حركية مثل التصلُّب وتقلص العضلات وانعدام التناسُق الحركي فيفقد الفرد توازنه أثناء المشي، ويعاني من صعوبة البَلْع.
بقي أن نقول بأن الحصول على التشخيص الدقيق والمبكر لمثل هذه الأعراض ضروري جدا لأنه يحمي المريض من الابتزاز المالي ويحفظ له حقوقه ويمنح مقدمو الرعاية له فرصة لفهم طبيعة المرض وكيفية التعامل معه.