الصحوة – الدكتور حمد بن ناصر السناوي
كنت أقدم ورشة عن مهارات التعامل مع المسنين و تطرقت إلى موضوع التغيرات الجسدية والاجتماعية والنفسية التي تصاحب التقدم في العمر و كيف أن معظم الدول اتخذت من سن التقاعد مؤشرًا لدخول مرحلة الشيخوخة ، لعلني أسهبت قليلا في الحديث عن الحالة النفسية بعد التقاعد وكيف أن فقدان الوظيفة والوجاهة الاجتماعية التي قد تصاحبها يمكن أن يؤلد مشاعر الحزن والعزلة أحيانا، بعد إنتهاء الورشة استوقفني أحد الحضور وأخبرني بأنه سيصل إلى سن التقاعد العام القادم وأن الموضوع يشغل باله من الآن ، فعندما يتقاعد أحد معارفه يتواصل معه ويستفسر عن نمط حياته بعد التقاعد و حالته النفسية بالتحديد حتى أن البعض بدا يستغرب من هذا الاهتمام المبالغ فيه.
رغم أن فوبيا التقاعد لا يعتبر من الأمراض النفسية لكنه مصطلح يستخدم لتلخيص بعض الهواجس التي قد يشعر بها الشخص الموشك على التقاعد ، ويلخص علماء النفس هذه الفوبيا في ثلاثة مجالات ، فوبيا نقص الموارد المالية ، فوبيا الملل و فوبيا زوال الصحة ، فليس غريبا أن التقاعد يصاحبة نقص في المدخول المالي خاصة إذا كان الشخص يعتمد على راتب الوظيفة كمصدر وحيد للرزق ، او ربما تكون لديه العديد من الديون او يعول عدد كبير من أفراد الاسرة ، أو ربما يكون أبنائه بدون وظائف فيضطر لانفاق عليهم و بالتالي يصبح التقاعد مصدر للقلق حيث يتسائل الفرد كيف يمكنه تلبية متطلبات الاسرة ماديا، هنا يوصي علماء النفس بالتحضير للتقاعد و تجنب الديون قدر الأماكن و إتباع سياسة الادخار والتوفير لتجنب الأزمات المالية بعد التقاعد. اما فوبيا الملل فهي من الأمور الطبيعية التي قد يشعر بها البعض خاصا بعد قضاء ما يقارب من ثلاثين عاما او يزيد في وظيفة تشغل ثلث يومه و تمنحه روتينا يصبح مع الوقت جزء من حياته اليوميه يحدد وقت نومه وموعد إستيقاظة و موعد تناول الطعام ، بعد التقاعد يصبح الوقت مفتوحا بلا حواجز يستطيع المرء أن ينام و يستيقظ وقتما يشاء ، وإن كان الامر يبدوا رائعا للبعض الا أن البعض الاخر يشعر بالخواء والفراغ وفقدان الهدف ، لذا ينصح علماء النفس بالانتظام في ممارسة الهوايات قبل التقاعد و تخصيص وقت لذلك لتصبح تلك الهواية جزء من جدولك اليومي يمتد لما بعد التقاعد تستغل بها وقتك و تبعث في نفسك المتعة والحيوية ، إختر الهواية التي تعجبك مهما كانت بسيطة ولا تحكر خياراتك خوفا من كلام الناس ، كما أن بعض الهوايات الرياضية لها اكثر من فائدة فهي تشغل وقتك و تعزز صحتك الجسدية والنفسية. أما النوع الثالث من الفوبيا فهي الخوف من زوال الصحة مع التقدم في العمل ، فمن الطبيعي أن تتأثر الحواس الخمس فيضعف السمع والبصر و تكثر إحتمالية الإصابة بالامراض المزمنة مثل السكري و ارتفاع ضغط الدم، هنا يأتي دور نمط الحياة الصحية في الوقاية من بعض الأمراض فقد أثبتت الدراسات العلمية أن النشاط الجسدي والغذاء الصحي أساسيان في الحصول على جسد و عقل سليمين، حفز نفسك على ممارسة النشاط البدني المناسب لعمرك و طبيعة جسدك ، ليس عليك الالتحاق بالنادي الرياضي و التدرب على حمل الأثقال بل يمكنك البدء في ممارسة المشي لمدة ثلاثون دقيقة على الأقل ليحصل جسمك على الفائدة من المشي ، يمكنك المشي وحدك أو مع الأصدقاء اذا كان ذلك يساعد على تحفيزك ، تذكر أن بعض تطبيقات الهاتف النقال يمكنها أن تساهم في تحفيزك عن طريق تسجيل عدد الخطوات والمسافة التي تقطعها ، اما اذا كنت تعاني من بعض الأمراض فيجب الالتزام بنصائح الطبيب وتناول الادوية والانتظام في مواعيد الفحص الدوري.
ختاما ، فان التقاعد مثل مراحل الحياة الأخرى ستأتي شئنا ام أبينا ، ولن نستفيد شيئا من القلق المبالغ فيه والتخوف من ما سيأتي ، عليك فقط الأخذ بالأسباب والتوكل على الله.