الصحوة – الدكتور سالم بن سلمان الشكيلي
تحلّ يوم الحادي عشر من يناير الذكرى الثالثة لاعتلاء جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله عرش الحكم في السلطنة ، بعد أن ترجّل حب عمان الكبير وعشقها الخالد ، السلطان الراحل قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه عن صهوة جواده ، لتفيض روحه الطاهرة إلى بارئها وهي هانئة مطمئنة على عمان وشعبها ونهضتها ، وقد ترك فيهم من يقود المسيرة بكل وفاء وإخلاص ، يجدد في هذه النهضة برؤية مستنيرة وفكر وقاد ، يتناسب مع المرحلة بكل ظروفها وتحدياتها . كيف لا وهو الذي خبرَ دهاليز السياسة ، وقد وهبه الخالق جلّ وعلا الحكمة والبصيرة وعلوّ الهمة والذكاء وبُعد النظر .
اعتلى جلالة السلطان الهيثم المعظم عرش البلاد بهمة عالية وعزم أكيد ، وأخذ على عاتقه منذ الوهلة الأولى السير على خطى السلطان الراحل مجدداً لنهضة لا تقبل التوقف عند حدود معينة ، فقد قامت لتستمر نحو آفاق المجد والعزة والشموخ لتحقيق الرخاء والازدهار ، لوطن يعشق الإنجاز تلو الإنجاز ، فالآمال كبيرة ، والتطلعات عظيمة ، والعزائم صادقة ، والهمم عالية ، وملهمات التطور والتنمية تدفع وترنو لمستقبل واعد أفضل وأجمل بإذن الله تعالى .
تولى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم قيادة المسيرة في مرحلة صعبة للغاية ؛ فقد تزامن ذلك مع جائحة كورونا التي شلّت مفاصل الحياة تماماً في العالم أجمع ، ومع انخفاض حادّ في أسعار النفط ، وركود اقتصادي لا زالت تأثيراته جاثمة على اقتصاديات دول العالم كافة ، إلا أنّ حكمة الهيثم كانت تكسر كل التحديات فهو بطلٌ لا يستسلم للظروف بل يقهرها ويطوّع الإمكانيات ويطورها مستنداً في ذلك على إيمان قوي بالله عزّ وجل ، وإرادة صلبة اكتسبها أئمة وسلاطين عمان وشعبها ، من تحديهم لأهوال البحار وزمجرة امواجها العاتية التي جابوها من أجل نشر راية الإسلام وأنوار العلم والمعرفة ، وتحمل رسائل السلام للشعوب المُحبة للسلام ، ولرفع الظلم عن الشعوب المكلومة في أسيا وأفريقيا ، واكتسبوها أيضاً من صليل السيوف وأسنّة الرماح ورائحة البارود عند صدهم للغزاة والطامعين في بلادهم ، ومن قوة أزنادهم وسواعدهم وهي تهد الصخور بمعاولهم والتي تجعل الشرر يتطاير من الصخور التي يحطمونها ليفجروا من خلالها الأفلاج التي جرت في مدنهم وقراهم على نظرية عمانية اسمها ” غراق فلاح “، ومن هندسة وشواهق حصونهم وقلاعهم التي كانت منارات للعلم والتعلم ومواقع حصينة لرد كيد المعتدين ، ومن همهمات عمائمهم البيضاء الشامخة التي تنحاز للحق أينما كان ، وتجنح للاستقلال ورفض التبعية لأيّ كان ، ومن حضارة تمتد بجذورها في أعماق التاريخ البشري .
وجّه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم في بداية حكمه الرشيد اهتمامه إلى تقوية وتعزيز الاقتصاد العماني ، ذلك أن الاقتصاد هو قطب الرحى ومحورها في جميع نواحي التنمية ، وذلك من خلال تنويع مصادر الدخل والدفع بعجلة الاستثمار وتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية مع الدول العربية والأجنبية ، وبالشراكة مع كيانات مالية كبرى ، وفي فترة وجيزة وبسبب هذا النهج الحكيم تمكنت السلطنة من التخلص من جزء كبير من الدَّين العام وتقليص عوائده ، وهي تسعى جاهدة للتخلص منه بشكل تام في خطوة يحدوها إعادة التوازن المالي من أجل استدامة التنمية ، ورفاهية المواطن .
وفي سبيل تطوير العمل الإداري ، فقد تم إعادة تنظيم الجهاز الإداري للدولة وتقليص عدد الوحدات الإدارية والهيئات والمؤسسات العامة ، بهدف ترشيد الإنفاق وتسهيل الإجراءات وسرعة الإنجاز المتسم بالجودة والإتقان العالي ، والاستفادة من التقنية الحديثة ، وفي هذا الشأن صدر نظام المحافظات بالمرسوم السلطاني رقم ٣٦/ ٢٠٢٢م الذي أسس لإدارة محلية فعلية ، حيث تم منح كل محافظة من محافظات السلطنة الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري ، وجعل لكل محافظة ميزانية مستقلة إلى جانب وجود مجلس بلدي خاص بها .
كل هذا من منطلق التنمية الشاملة لكل محافظات السلطنة المختلفة ، دون استئثار محافظة بعينها أو تمييزها عن باقي المحافظات الأخرى ، وهذا التوجه له أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية وتفعيل مبدأ المواطنة والشراكة المجتمعية الفاعلة ، لكنها تحتاج إلى الوقت الكافي لتؤتي ثمارها .
وإني على يقين تام بأنّ نظام الإدارة المحلية هذا ، ستتسارع عجلاته إلى الأمام تطويراً وتحديثاً يواكب كل مرحلة من مراحل التطور والتنمية .
وفي الفترة القصيرة وبحسابات الزمن الكبيرة بأفعال العظماء ، كان سلطان البلاد المفدى في كل مواقفه إلى جانب المواطن العماني ؛ فكانت اوامره السامية للحكومة بالعمل الجاد والمخلص للوفاء باحتياجات المواطنين ومتطلباتهم لينعموا بحياة سعيدة وكريمة ، وشدّد في خطاباته وأحاديثه السامية على تغليب المصلحة العامة فوق وعلى أية مصالح أخرى ، ووعد حفظه الله بوجوب تحقيق مبدأ الشفافية والمصداقية والنزاهة وصولاً إلى عدالة اجتماعية ناجزة ومساواة قانونية بين جميع الأفراد .
تحلّ الذكرى الثالثة لاعتلاء جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله عرش الحكم ، والأمال والتطلعات كثيرة وكبيرة بحجم عمان في حاضرها ومستقبلها وتاريخها ، مع إيماننا بوجود تحديات عديدة وخاصة فيما يتعلق بالباحثين والمسرحين عن العمل ، وهو تحدٍ قديم جديد ، إلا أننا نؤمن أيضآ بحكمة وبصيرة سلطان البلاد المعظم في تسخير كافة الطاقات وتوجيه كل الإمكانيات المادية لإسعاد المواطن العماني وتحقيق الحياة الكريمة له ، فجلالته حفظه يحيط بكل تفاصيل الأمور ولن يدخر جهداً من أجل رقيّ عمان وشعبها الذي سيكون على العهد والوفاء والطاعة والإخلاص
حفظ الله جلالة السلطان وأدام عليه نعمة الصحة والعافية والعمر المديد وأيده بنصر من عنده .