الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
عندما كنت صغيرا حصلت على عيدية قيمة خلال أحد الأعياد فأحببت أن اكافئ نفسي بمحفظة جلدية كان سعرها يساوي جميع ما ادخرت من العيدية، اشتريتها لكن انتهى بي الأمر مع محفظة جلدية فارغة من النقود ، و تذكرت المثل القائل ” اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب”.
تعتبر لأمثال الشعبية من الموروثات التي يتناقلها الأجيال وقد يتخذها البعض منهجا لحياته يقتدي بها ويستشهد بها عند الحديث مع الآخرين ، وهي عبارة عن جمل عادة ما تكون قصيرة لكنها تحمل معنى كبير ، هذا المعنى يكون رمزيا ، فالمثل القائل ” من حفر حفرة لأخيه وقع فيها ” ليس المقصود منه حفرة حقيقية ولا يقتصر مصطلح ” أخيه ” على أخوة الدم ، بل يعنى أن من يكيد للآخرين يقع في شر أعماله.
تختلف الأمثال حسب الدول والمجتمعات التي تنتشر فيه لكن أحيانا نجد نفس المعنى يتكرر في أكثر من لغة ، فالمثل العربي ” الطيور على أشكالها تقع” يوجد له مثل مشابه في اللغة الإنجليزية يمكن ترجمته ” الطيور ذات الريش تطير معا” . ورغم أن الكثير منا يجهل أصل هذه الأمثال ويشك في مدى إرتباطها بدليل علمي أو حتى منطقي ، ولعل الأشخاص الذين اخترعو بعض الأمثال خطرت ببالهم في “جلسة و ناسه” لأن معظم تلك الأمثال يغلب عليها طابع السجع ، خذ مثالا على ذلك المثل القائل “اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب” لا يحتكم إلى منطق بل يحرض الأشخاص ضد الادخار و يتناقض مع المثل الشعبي الذي يقول ” احفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود” وليس من المستغرب أن تتضارب بعض الأمثال فلا توجد جهة معينة تقيم هذه الأمثال و تقوم باعتمادها أو توثيقها. ولنكن منصفين لا بد أن نشير يأن بعض الأمثال تروج لفكرة معينة و يمكنها أن تؤثر على السلوك الإنساني و التعامل مع الأخر ، فالمثل القائل ” الطبع غالب ” بتشديد الآم يزرع فكرة بأن الشخص لن يتمكن من تغير سلوكه ولا جدوى من إعطائه فرصة للتغير ، و كذلك المثل القائل “الولد سر أبيه” يروج لفكرة أن السلوك الإنساني يكتسب من الأب فقط بينما الواقع غير ذلك ، فهناك العديد من الأبناء الذين لا يحملون سمات الآباء وأقرب مثال على ذلك ابن سيدنا نوح عليه السلام الذي رفض الصعود إلى السفينة وعصى أمر والده فكان مصيره الهلاك. هناك أيضا الأمثال التي تحث على الاجتهاد والسعي في الرزق مثل ” من جد وجد ومن زرع حصد ” و ” من طلب العلى سهر الليالي ” اللذان يحثان على الاجتهاد في طلب الرزق و رفض الكسل والخنوع بينما يروج المثل القائل ” عصفور في اليد خير من عشرة على الشجره” فهو يحث على القناعة التي قد تكون سلبية لأنها تبقيك في منطقة الراحة و عدم المغامرة وإكتشاف العصافير الأخرى. توجد الأمثال التي ربما تعرضت للتغيير لتتناسق الكلمات مثل ” اسأل مجرب ولا تسأل طبيب” و هو مثل غريب فالمجرب و إن عاش تجربة مرض ما فهو غير ملم بأسبابه و علاجه و طرق الوقاية منه و هي أمور أساسية يدرسها الطبيب ، كما أن المجرب تنحصر تجربته في المرض الذي أصابه فقط ولا تمتد إلى بقية الأمراض لذلك نجد تحديث جديد لهذا المثل ليصبح ” اسأل مجرب ولا تنسى الطبيب” ، هكذا نصحح المعنى و نحتفظ بالسجع الجميل.
وكذلك المثل القائل “من علمني حرفا صرت له عبدا ” وإن كان القصد من التشجيع على إحترام المعلم وتقديره لكن لفظ العبودية ليس مناسبا فنحن عباد الله و لا يحق لبشر أن يستعبد الآخرين .