الصحوة- ظافر الحارثي
تزاحم المصالح والتوترات بين الدول سبب رئيسي يهدد السلم والأمن الدوليين للخطر باستمرار، وفي الحالة الطبيعية لا تخلو الأجواء من تعكير صفو الهدوء و الاخلال بالتوازن بشكل من الأشكال بسببها كذلك؛ وفي المقابل لا يوجد جهاز دولي شرعي متكامل من الناحية التشريعية والتنفيذية والقضائية معترف بها دوليا من كافة أشخاص القانون الدولي، يلزمهم حل النزاعات الدولية بطرق قانونية أو حتى سلمية ما لم يكن هناك تسليم واتفاق ورضا للأطراف المتنازعة.
بالنظر لفقه القانون الدولي وقراءة أحداثه وتاريخه نستنتج بأن معاهدة وستفاليا ١٦٤٨ هي الحجر الأساس في إعداد القواعد القانونية الدولية، بل والتي على إثرها تواجدت المنظمات الدولية التي تعمل على الحفاظ على النظام الدولي كعصبة الأمم والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية ؛ علاوة على ذلك في هذا الإطار لا يمكننا التغاضي عن إتفاقية لاهاي (١٨٩٩،١٩٠٧) التي أحدثت نقلة هامة في تقرير قواعد لتسوية النزاعات بالطرق السلمية (سياسية أكانت أم قضائية).
إن مفهوم النزاعات الدولية وفقا للفقه الدولي هي “الإدعاءات المتناقضة بين شخصين قانونيين دوليين أو أكثر ” وعُرفت أيضا بأنها “الخلاف الذي يقوم بين الدول، أو بينها وبين منظمات دولية وحركات تحريرية، أو بين أعضاء المجموعة الدولية”؛ أما القضاء المتمثل في محكمة العدل الدولية عرفها بأنها ” خلاف بين دولتين على مسألة قانونية أو حادث معين أو بسبب تعارض في وجهات نظرهما القانونية أو مصالحهما”، والمتفق أن حتى يكتسب النزاع الصفة الدولية يجب أن يكون جميع أطراف النزاع من أشخاص القانون الدولي، وأن يكون هناك إدعاءات متناقضة بل واستمرارية تلك الإدعاءات المتناقض، وأخيرا إمكانية التسوية وفقا لقواعد تسوية النزاعات الدولية.
وفي هذا الإطار كذلك حتى نزيل بعض المفاهيم المبهمة لابد التوضيح أن النزاع الدولي يختلف عن الصراع بحيث أن هذا الأخير شكل من أشكال الصدام التي قد تنتج لاختلاف الدول في الأهداف والمصالح القومية والعقائد والتي لا يمكن حلها ويصعب اتفاق الأطراف على تسويتها، في حين تتميز النزاع عن المنافسة الدولية كذلك في كون أن المنافسة تهدف الى الوصول لغايات معينة مع اقتناع الاطراف المتنافسة بإمكانية التعايش والتفاهم دون تعكير العلاقات القائمة بينهما، والجدير بالإشارة هنا في أن قد تتحول المنافسة إلى نزاع عندما يمنع الطرف الآخر الآخرين من تحقيق نجاحاتهم، وكذلك هي تختلف عن التوترات الدولية على اعتبار أنها تعتبر مقدمات للنزاع وعن الحروب أو ما يسمى (بالنزاعات المسلحة)على اعتبار انها تعتبر نتيجة للنزاع.
بالرغم من التقسيم الفقهي لتمييز بين النزاعات الدولية (القانونية والسياسية) إلا أن هذا الأمر من الأمور المختلف فيها لأن استخدام القوة من عدمها صفة يمكن من خلالها الاطلاق على النزاعات وليست مسألة عدة أنواعها؛ وعلى ذلك إن من الطرق السلمية لتسوية المنازعات الدولية طرق دبلوماسية (سياسية) تتمثل في {المفاوضات، المساعي الحميدة، الوساطة، التحقيق، التوفيق}، وطرق قضائية تتمثل في {هيئة قضائية محكمة دولية و التحكيم}.
ومن باب الانصاف لاشك بأننا قد قطعنا شوط كبير في الحفاظ على الأمن والسلم الدولي مقارنة بالحقب الماضية التي كانت تشرع أحقية الدول بخوض الحروب ثم تقنينها وأنسنتها والحد منها، إلى أن وصلنا اليوم وبفضل الاتفاقيات والمنظمات الدولية لاسيما دور منظمة الأمم المتحدة لتحريم حل النزاع بالقوة دوليًا والاستعاضة بالطرق والوسائل السلمية إلا أن هذا الأمر مرهون برضى الدول وارادتهم بل وإلى مدى اعترافهم أو انضمامهم لتلك الاتفاقيات والمنظمات الدولية والإقليمية ، اذ لا يمكن الاجبار ما لم يصرحوا على ذلك أو يوقعوا على ذلك مما يجعلنا نتسائل دائما عن مدى فاعلية قواعد القانون الدولي من حيث التنفيذ والمتابعة والرقابة بالاخص؟.