الصحوة – منار السريحية
*هل يمكننا الحياة من دون البلاستيك؟
في البداية دعونا نتفق أن البلاستيك يعتبر مادة رائعة للغاية… والمواد المصنَّعة منه جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية حتى أنها تعد من ضرورات الحياة في عصرنا الحديث، ومن دونها حياتنا لن تكون كما اعتدنا عليها ليومنا هذا. ويعود ذلك لتمتع هذه المواد بخصائص مذهلة كخفة وزنها، وسهولة تشكيلها، ورخص ثمنها وتعدد استخداماتها، على سبيل المثال لقد مكنتنا المواد البلاستيكية من الحفاظ على طعامنا وشرابنا في شكل جيد، ومع ذلك هناك من يعد هذه المواد شرًا على البيئة وينادي من أجل التخلص منها بسبب تأثير نفاياتها سلبًا على البيئة.
فعادة تستخدم المواد البلاستيكية لمرة واحدة، وينتهي بها الأمر في مكبات النفايات، وجوانب الطرقات، والحدائق العامة وحتى في المسطحات المائية، وعليه تتراكم هذه المواد البلاستيكية محدثة تلوث يطلق عليه بالتلوث البيئي، مما يؤدي إلى إلحاق الضرر بحياة الكائنات الحية المختلفة بما فيها الإنسان. لذلك لابد من التمعن بموضوع التلوث الناتج عن النفايات البلاستيكية، فهي حقًا تضر بالبيئة ضررًا بالغًا، ابتداء من مراحل تصنيعه ثم استخدامه في المنازل وبمختلف المجالات الصناعية وغير الصناعية حتى نصل إلى كيفية التخلص منه، لهذا يتبادر السؤال لدى الكثير من الناس: كيف يمكن أن يسبب البلاستيك أضرارًا في البيئة والصحة؟
تأتي الإجابة في أن المواد البلاستيكية تتميز بأنها عالية المقاومة للتحلل في البيئة فهي لا تتحلل بسرعة وتحتاج من 3 سنوات إلى 50 سنة لكي تتحلل، الأمر الذي يعمل على إلحاق الأضرار في مكونات البيئة المختلفة، ومنها تلوث التربة الناتج عن دفن الفضلات البلاستيكية، وحذر باحثون في ألمانيا من تأثير البلاستيك المتناهي في الصغر على التربة والرواسب، وقد يكون التلوث الأرضي بالمواد البلاستيكية الصغيرة أعلى بكثير من التلوث المائي أو البحري ويقدر بـ(4 – 23 ) مرة أعلى، على حسب البيئة، وكما يوضح الباحثون أن هذه الجسيمات البلاستيكية تتخلل إلى السلسة الغذائية، وخلصوا إلى أنه مع قلة الأبحاث في هذا المجال إلا أن النتائج التي تم التوصل إليها تثير القلق والمخاوف، فهذه الجسيمات بشكل عملي موجودة في كافة أنحاء العالم، بالتالي قد تسبب أنواعًا من الآثار الضارة على التربة. إضافة إلى ذلك، توجد كائنات حية دقيقة مسببة للأمراض على أسطح الجزيئات البلاستيكية متناهية الصغر، فهي بدورها تتفاعل مع حيوانات التربة مثل دودة الأرض مما يؤثر على وظائف وحالة التربة.
وأيضًا تلوث المياه الناتج عن دخول البلاستيك متناهي الصغر في المياه، على سبيل المثال انتقاله عبر الألياف المصنعة لملابسنا كالنايلون والبوليستر والأكريليك أثناء غسيلها، فهي تنتقل بعد عملية الغسل إلى محطات معالجة مياه الصرف أو إلى البيئة المفتوحة، وقد أجرى المركز العالمي للمياه دراسة بينت أن هناك أكثر من 700,000 من الألياف والجسيمات البلاستيكية الصغيرة في البيئة لكل دورة من الدورات أثناء غسل الملابس. ناهيك عن المخلفات البلاستيكية التي تدخل إلى المسطحات المائية المتنوعة بسبب سوء إدارة تلك المخلفات من قبل الإنسان.
وهناك تلوث الهواء الذي ينجم عن زيادة حرق المواد البلاستيكية مما يؤدي إلى تتطاير المواد الضارة الناتجة عن تفاعل المواد الكيميائية التي تدخل في صنع البلاستيك مع المواد المستخدمة لحرق الأخير، فتظهر تداعيات من تلك العملية تتمثل في انتشار الأمراض المرتبطة بتلوث الهواء على الكائنات الحية خاصة الإنسان، التأثير على المباني والمنشآت الأثرية، إتلاف طبقة الأوزون وحدوث ظاهرة الاحتباس الحراري التي تثير قلق العالم في العصر الحالي.
كذلك فإن المواد البلاستيكية تهدد حياة الكائنات الحية سواء كانت في اليابسة أو في البحار والمحيطات، إذ تتعرض الكثير منها للضرر، إذ أن الكائنات الحية الموجودة على اليابسة بما فيها الإنسان يمكن أن تتأثر بتلك المواد الضارة من خلال أنه قد تستقر جزيئات البلاستيك الدقيقة في جسم الإنسان بناءً على بعض المأكولات والمشروبات التي تدخله، فعلى سبيل المثال هناك عدة أغذية يتم تعبئتها في مواد مصنعة من البلاستيك، وعليه يمثل ذلك خطورة لصحة الإنسان لأن المركبات البتروكيمائية المكونة للبلاستيك قد تنتقل إلى تلك الأغذية.
إضافة إلى أن المياه المعدنية المعبأة في زجاجات قد تتراكم بها تلك الجزيئات البلاستكية، وتختلط بالمياه التي يشربها الإنسان، لهذا تؤثر بوظائف أعضاء الإنسان المتنوعة، ونحن نعلم بالأهمية الكبيرة التي يمد بها الماء جسم الإنسان، فعندما يكون غير نقيًا وغير نظيفًا قد تزيد من احتمالية إصابته بأمراض مختلفة. وكذلك الحيوانات قد تدخل إلى أجسادها القطع البلاستيكية من خلال الطعام الذي تتناوله أو الشراب من المياه غير النظيفة، علاوة على ذلك تعاني العديد من الحيوانات بالاختناق نتيجة ابتلاع مواد بلاستكية كبيرة أو تغطية الأكياس البلاستيكية على مجرى التنفس لديها مما قد يؤدي إلى موتها.
وهكذا بالنسبة للكائنات البحرية فقد تبتلع الأسماك المتنوعة البلاستيك والمخلفات الأخرى التي يرمي بها الإنسان في البحر، بالتالي قد تخلل المواد البلاستيكية إلى لحمها وتفقدها القيمة الغذائية، إلى جانب ذلك، تضر مخلفات البلاستيك بالشعب المرجانية بالبحر حيث تقلل من وصول أشعة الشمس إليها، كذلك تحرمها من التيارات المائية الداخلة والخارجة والتي تقوم بتجديد مياهها الغنية بالأكسجين والغذاء.
ونعلم أن الحديث عن البلاستيك يعد أحد المواضيع الجدلية في عصرنا الحديث، وهناك مطالبات واحتجاجات من نشطاء البيئة وجماعات الضغط ضد استخدامه، حيث يطالبون بحظره والاستغناء عنه وإيجاد بدائل عنه في أقرب وقت. فهنا نتساءل هل حظر البلاستيك هو الحل الأفضل والوحيد أم هل على المجتمعات البشرية أن تعمل على تغيير سلوكها نحو استخدامه؟
عقب الحديث عن أضرار الأكياس والمواد البلاستيكية، فأن حظر المواد البلاستيكية ما يزال مطروحًا ويؤخذ ويرد عليه من قبل حماة البيئة، كما أن استبدال البلاستيك بمواد صالحة وصديقة للبيئة يعد أمر نظري قد يكون بسيطًا لكن في الحقيقة هو أعقد من ذلك بكثير، حيث دارت نقاشات عدة حول هذا الأمر وتطرقت إلى بدائل متنوعة للبلاستيك لكن كما نرى إلى يومنا هذا الكثير من الناس في لا زالت تستخدم البلاستيك في حياتها اليومية.
على سبيل المثال هناك عدة محلات تجارية حاولت أن تستخدم بدائل للأكياس البلاستيكية لكن في نهاية المطاف وجدت نفسها تعود لاستخدام تلك الأكياس نظرًا لأن العديد من الناس قد اعتادت على استخدام الأكياس البلاستكية منذ عقود، لهذا فأن قرار استخدام الأكياس الصديقة للبيئة والحقائب القطنية والورقية لم ينفذ بالصورة المطلوبة لتحقيق الفائدة المرجوة وهي التقليل من حدة الآثار السلبية على البيئة الناتجة من المخلفات البلاستكية. وبالمثل، هناك عدة جهات ومؤسسات بالمجتمع لا تستغنى عن البلاستيك في المواد التي تستخدمها وتعده خيار جيد ومناسب بناءً على المميزات التي جعلته مقبولًا ومرغوبًا به في الاستخدام اليومي.
وعليه يجب أن نلفت الانتباه أن الحل ليس في حظر البلاستيك، وإنما ضرورة استخدامه بشكل مسؤول وإعادة تدوير المواد المصنعة منه بشكل صحيح، أي أن تكون المعادلة (الاستمرار في استخدام البلاستيك والحفاظ على البيئة)، فتستدعي الحاجة للعمل على تشجيع البحوث والابتكارات التقنية، والعمل على زيادة وعي أفراد المجتمع حول أفضل الوسائل الممكنة لإدارة النفايات البلاستيكية والتخلص منها بشكل آمن، مثلًا أن تتضمن المناهج التربوية والتعليمية بمختلف المراحل الدراسية التعريف بالأضرار الناتجة عن سوء استخدام المواد البلاستيكية بصورة جيدة ولا يجب الاكتفاء على الجانب النظري وإنما إضفاء جانب تطبيقي لأهميته في توضيح حجم المشكلة وتداعياتها على البيئة والكائنات الحية كافة، كأن يتم إجراء رحلات وزيارات ميدانية إلى الأماكن التي تكثر فيها النفايات البلاستيكية المتراكمة والعمل على تطهير البقاع منها حتى يمكن إيجاد الطرق الممكنة للاستفادة من بعضها من خلال توزيعها على الجهات المعنية بتجميع المواد البلاستيكية والتي قد تعيد تدويرها لمواد صناعية أخرى أو أن تتخلص منها بالشكل المناسب.
بالإضافة إلى أهمية عقد الندوات والاجتماعات التي تناقش مشكلة التلوث البيئي وأضرار البلاستيك البالغة، وإرشاد الناس إلى الابتعاد عن استخدام منتجات التجميل غير الطبيعية والمصنعة من البلاستيك واستبدالها بمنتجات طبيعية مناسبة لجسم الإنسان، ومقاطعة الأدوات المطبخية البلاستيكية والاعتماد على مواد ذات نوعية جيدة في الطبخ كالخشب والحديد والنحاس وغير ذلك، وأخيرًا أهمية تثقيف الناس بموضوع إعادة تدوير المواد البلاستيكية حيث أن الكثير منهم يعلمون بهذا المصطلح لكن مع الأسف القليل منهم يطبق ذلك، وهذا يرجع لضعف بعض الدول في ترسيخ هذه الثقافة لدى شعبها، إذ تنفذ الجهات المعنية بها مشاريع إعادة التدوير في بعض المناطق بالدولة وإهمال المناطق الأخرى مما يؤدي إلى عدم وصول الرسالة بالصورة المطلوبة للأشخاص المعنين بالتالي تتفاقم مشكلة التلوث البلاستيكي بها.
مما سبق تناوله في هذا المقال يجاوب على السؤال الذي جاء في المقدمة، وباختصار إن دور الفرد المسؤول هو أمر في غاية الأهمية، فمن خلال النهج السليم الذي يتبعه للتعامل مع البلاستيك سوف يمكنه من الاستمرار والاستفادة من استخدامه دون إلحاق ضرر بالبيئة، أو بالأحرى التقليل من حدة الأضرار التي تنتجها المخلفات البلاستيكية وتؤثر بشكل سلبي على البيئة، لهذا فاليوم وأكثر من أي وقت مضى، تقع على عاتقنا المسؤولية في استهلاك البلاستيك بالشكل المناسب إلى جانب الاهتمام بالبيئة ومكوناتها.