بقلم: د. حمد بن ناصر السناوي
يعتبر الدكتور طبيب الأعصاب البريطاني أوليفر ساكس الأكثر إسهاما في ميدان الطب حيث اشتهر بكتاباته حول علم الأعصاب وحالات مرضاه وتجاربهم غير العادية. في أحد هذه الكتب والذي يحمل عنوان ساق للوقوف عليها، يكتب عن تجربته الخاصة كمريض وتلقيه الرعاية الطبية بعد سقوطه أثناء تسلق جبل في النرويج عام ١٩٧٤. عندما كان في بداية الأربعين من العمر. يروي دكتور ساكس مشاعر الألم والخوف عندما شعر بضعفه وعجزه بعد أن تم إنقاذه وإجراء عملية لساقه في مستشفى المدينة الصغير وشعر وأنه يعيش آخر يوم له، إذ يقول: “لقد مررت بما ظننت أنه سيكون يومي الأخير على الأرض” لكن ظهرت لديه أعراض غريبة حيث شعر بأن ساقه عضو غريب. اختلف مع تشخيص الجراح الذي أجرى له العملية وأخبره أن أعراضه هي نوع من الهستيريا. الدكتور ساكس، الذي أصبح الآن مريضا، كان عليه أن يختبر ما يعانيه العديد من الأشخاص عندما يتأثر وضعهم النفسي بحالتهم الجسدية ويتفاعل مع زملائه الذين يعاملونه كمريض، وكيف تؤثر تجربته في مجال الطب على تعافيه وتقبل الرعاية من طبيب آخر، يستعرض الكتاب العلاقات بين الأطباء والمرضى والقضايا الأخلاقية المختلفة في رعاية المرضى
من تجربتي الشخصية كطبيب نفساي قمت بعلاج بعض الزملاء الأطباء الذين يعانون من أنواع مختلفة من الأمراض النفسية، وبعضهم يتجنب الاستشارة النفسية بسبب وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي وخوفا من أن يقال له (طبيب يطب الناس وهو عليل). للأسف بعض الأطباء لديهم نوع من العداء تجاه العلاج الدوائي النفسي ويترددون في البدء به حتى بعد مناقشات طويلة. أتذكر أحد الأطباء الذي أصيب بالاكتئاب الحاد الذي أثرت أعراضه على عمله وجعلته يفقد الثقة في قدرته على علاج المرضى، أصيب بالأرق لعدة أيام وفقد شهيته للطعام وظهرت على ملامحه علامات التعاسة والحزن. شرحت له التشخيص وخطة العلاج ولكنه توجه لاستشارة العديد من الأطباء النفسيين على الرغم من أنني أوضحت له أن الدواء يحتاج إلى وقت ليظهر مفعوله. تحسنت حالته تدريجيا واستعاد طاقته وثقته بنفسه وعادة الابتسامة إلى وجهه. تعلمت الكثير من خلال علاج الزملاء، وتعلمت أنهم وبعد أن يحضروا للاستشارة تتغير علاقتنا من زملاء إلى طبيب ومريضه، هذا الإدراك ضروري لنجاح العلاقة العلاجية ورسم الحدود في التعامل، فعندما أكون في إجازة أقترح عليهم استشارة طبيب آخر أو التوجه إلى قسم الطوارئ إذا أستدعى الأمر ذلك، كما أدركت أن كونهم أطباء لا يعني معرفتهم بتفاصيل العلاج النفسي، تماما مثل ما تكون معلوماتي عن علاج الأمراض العضوية المختلفة قديمه بعض الشي، فكل منا يركز في التخصص الذي يعمل به، كما تعلمت أن التعافي من المرض النفسي تجربة ذات خصوصية يمكنها أن تغير نظرة الشخص إلى من حوله فيصبح أكثر تعاطفا وأكثر إدراكا بمعاناة الآخرين فلا يحكم عليهم ولا يستصغر معاناتهم بل يحاول مساعدتهم وإرشادهم لاستشارة المختصين في ذلك المجال.