الصحوة – د. حمد بن ناصر السناوي
وصلتني منذ أيام نسخة من كتاب ” خطأ من ؟ ” للاخصائية النفسية آمال الهاشمي من دولة الأمارات الشقيقة ، الكتاب عبارة عن أثنى عشر قصة قصيرة أبطالها من المراهقين الشباب و تتمحور الأحداث في مجموعة من السلوكيات غير السوية التي تؤدي بصاحبها إلى الهلاك. أعجبني في القصص التي لا تتجاوز صفحة و نصف مدى قربها من الواقع والتركيز في عرض المشكلة بأسلوب مبسط دون الخوض في تفاصيل لا طائل منها ومن خلال كل قصة تستمر الكاتبة في طرح السؤال ذاته تاركة للقارئ التفكير في الجواب حتى إذا ما وصلت إلى الخاتمة.
تختصر لك الإجابة في بضعة أسطر، فتقول ” قد يكون للأهل دور كبيرا في صناعة شاب مستهتر و غير مسؤول ولكن للشاب الدور الكبير في تكوين سلوكه ” هكذا تختصر الكاتبة الإجابة بطريقة عادلة فالمسؤولية مشتركة من الطرفين ، فليس من العدل تحميل الأهل فقط كل المسؤولية كما أنه من السذاجة إلقاء اللوم على الشاب نفسه، فبعض الأهل يخطأ في معنى منح الحرية لأبنائه فتراهم يتخبطون بين أصدقاء السوء الذين يصبح تأثيرهم أقوى على سلوك المراهق الشاب ، فالإنسان بطبعه يبحث عن الأنتماء و يقدر اهتمام الآخرين به فنجده يملأ الفراغ الناتج من غياب الوالدين بالأصدقاء الذين يفتقرون إلى الخبرة اللازمة في تنمية السلوك الجيد و ممارسة دور القدوة الصالحة .
نحن هنا لا نقول بأن كل الأصدقاء لهم تأثير سيئ لكن ربما يميل البعض منهم التحدي و كسر القانون أحيانا رغبة في البحث عن الإثارة لذلك يتداول البعض مصطلح ” طيش الشباب” للتعبير عن تلك السلوكيات .
من خلال القصص القصيرة التي عرضتها الكاتبة يمكنك استنتاج نمط مشترك من الظروف الاجتماعية مثل الطلاق أو غياب الوالد عن الأسرة أو إنشغاله بالعمل تؤدي في النهاية إلى ما لا يحمد عقباه ، كما يلعب الملل دورا كبيرا في بعض السلوكيات مثل قيادة السيارة دون رخصة و أحيانا تحت تأثير الكحول ، أو السرقة واستخدام المخدرات التي عادة ما تبدأ بالفضول والرغبة في الانتماء إلى مجموعة الشباب المستخدمين لتلك المواد و التقليل من خطورة الوقوع في الإدمان عندما يوهم المراهق نفسه بأنه يستطيع التوقف عندما يشاء ، وهذا خطأ يقع فيه المدمن عندما يستهين في خطورة المخدرات و قدرتها على الاستحواذ على عقله مهما حاول إنكار ذلك.
أعجبني في هذا الكتيب تركيز الكاتبة على طرح المشاكل والسلوكية المختلفة دون التطرق إلى مناقشة الحلول تاركة للقارى فعل ذلك حسب تجاربه الشخصية و قناعاته، لكن الرسالة المرجوة تصل مباشرة في أن التربية مهمة صعبة يجب ألا يتهاون فيها الوالدين ، خاصة في هذه الأيام التي كثرة فيها المغريات أمام الشباب الحائر بين التمسك بدينه أو الاستسلام لشهواته التي تؤججها وسائل الإعلام و برامج التواصل المختلفة في غياب الرقيب ، أو عندما يعيش الرقيب حالة من الأنكار في أن نزوات الشباب يمكن أن تحدث لكل شخص إلا ابنه هو ، أتذكر مشهد من أحد المسلسلات الخليجية القديمه عندما اكتشفت الأستاذة الجامعية أن ابنها المراهق يستخدم المخدرات انهارت وهي تبكي قائلةً ” أبني ، أنا اللي مربيته” و كأنها تتسأل كيف حدث ذلك في منزلها و هي مربية الأجيال ، كيف جائتها الطعنة من أبنها ، والواقع أن بعض الأباء يعيشون حالة من الإنكار أو المبالغة في الثقة في الشاب المراهق مما يؤدي إلى التساهل في تربيته فيقع في المحظور ، وختاما يجب أن نعي أن تربية الأبناء مهمة شاقة تحتاج إلى الجهود والتوكل على الله والدعاء بأن يحفظ الجميع من كل مكروه .