الصحوة – المصممة أمل الريامي
منذ القدم كان الزي أو الملبس يهدف إلى ستر الجسد وحمايته من العوامل الخارجية أما الآن في عصرنا الحالي فأصبحت له مدلولاته الإضافية التي تأتي الأناقة على رأسها بعد الغرض الأساسي منه وهو الستر.
لكن هذا الزي لم يكن وليد اللحظة وإنما مرَّ بعدة مراحل بيئية واجتماعية وثقافية، وذلك بهدف إضفاء العناصر التي تقتضيها تلك المرحلة، فكان لكل بقعة من الأرض ما يدل عليها من ملبس يعكس هوية وطبيعة البيئة سواءً كانت صحراوية أو جبلية أو كانت بيئة خصبة خضراء، فعبر النقش والزخارف والخطوط الموجودة في الزي نتمكن من معرفة أصل هذا الزي.
لقد ظهرت أزياء تمثِّل الطبقات الاجتماعية خاصة بالعوائل الملكية والنبلاء والقائمين على خدمة الأديان، وأيضا ظهرت الأزياء الرسمية لبيئات العمل.
ولكن مع اختلاف الطبقات الاجتماعية لكل منطقة فإن هناك زيَّاً رسميَّاً موحداً يمثل هذه الشعوب، ويكون مكوناً رئيسياً تفتخر به عند ارتدائه حيث يجسد روح الانتماء والاعتزاز بالوطن وتظهر فيه ملامح الهوية الوطنية فيكون جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الوطن إذ يربط الماضي بالحاضر، فتحرص على الحفاظ عليه، وعدم تدخُّل ما يغيِّر من مظهره ويشوِّه طابعه الرئيسي وبذلك يصبح الزي الرسمي إرث ثقافي حضاري خاص لتلك الشعوب.
ومع التقدم الذي طرأ للعالم نرى الأزياء تتطور بتطور ثقافة وحضارة المجتمع من حيث نوعية الخامة والالوان والزخارف وتدخُّل الآلات الحديثة في الصنع.
ومن جانب أخر بدأت تظهر بعض التدخُّلات في الأزياء الوطنية من جهة غير المختصين في علم الأزياء بهدف التطوير، وإبرازه بصورة مختلفة لمواكبة العصر الحالي مما أدى إلى فقدانه للهوية الأصيلة وخاصةً الهوية الوطنية.
إن ما نراه في الدول الغربية من التطور الذي طرأ على الأزياء الرسمية للبلد أدى إلى إلغائها كاملة، وتعاقبت أجيال لا تعرف شيئاً عن أزيائها الوطنية، وإنما تراه معروضاً في المتاحف الوطنية لأنه أصبح شيئاً من الماضي يمثِّل إرثاً لتلك الدول.
أما نحن في دول الخليج العربي فإننا نمتلك موروثاً حضارياً غنياً من الأزياء الوطنية التي صنعها الأجداد لنا، وتعني لنا قيمةً كبيرة؛ فهي ليست مجرد رداءٍ نرتديه ويجمِّلنا وإنِّما شعور أعمق من ذلك، فأزياءنا هي كياننا وهويتنا التي يجب علينا المحافظة عليها.
نتميز في دول الخليج بتنوع الأزياء لكوننا نستوطنُ عدة مناطق، ولكل منطقة أزياء تميزها عن غيرها، خاصة بها، مليئة بالعناصر والزخارف مما يجعلنا نتفاخر بارتدائها في المناسبات الشعبية والاعياد الوطنية فهي تحمل ملامح الوطن وهويته.
خلال تواجدنا في إحدى الدول الأجنبية قمنا بزيارة المتحف الوطني وهذا أول ما نقوم به دائماً في سفراتنا الخارجية، وذلك لكي نتعرف على ثقافة وتاريخ البلد الذي نزوره، وعندما دخلنا قسم الأزياء سألنا المرشدة عن ما نشاهده من أزياء قالت:”هذا ما تبقى لدينا ويجب أن نحافظ عليه”، فعلاً ما قالته المرشدة عبارة تستحق الوقوف والتمعن فيها فعندما نعرضُ شيئاً يخصُّ تراثنا وحضارتنا سواءً كانت أزياء أو غير ذلك في متاحفنا الوطنية فإنه يجب البحث عن أصل ذلك الشي ومنبعه لأننا نضع أمام عين الزائر تراث وحضارة الأمة التي ننتمي إليها.
في إحدى المناطق الداخلية كنت اتمشى في الطرقات بين الحارات فقابلتُ امرأة مسنَّة أمام باب منزلها وخلال حديثي معها قلت لها بان ملابسك جميلة
قالت “هذه ملابس عمانية أصيلة تعلمناها من أمهاتنا وحافظنا عليها ”
هنا توجه هذه المرأة العمانية رسالة بأن هذا الزي هو ما خلَّفه الأجداد لنا، باقٍ في ذاكرة الزمن فهو يعني هوية وتراث وحضارة أمة، وعلينا أن نبرزه كما يستحق في أي محفل أو مكان قبل أن ينجرف على أيدي من يدَّعون التحضر والتمدُّن.