الصحوة – خديجة بنت ناصر النعمانية – باحثة ماجستير في القانون الجنائي بجامعة السلطان قابوس
تتعدد الطرق التي ترتكب فيها الجرائم وتختلف وسائل ارتكابها، فالجريمة تتكون من ركنين أساسيين ركن مادي وركن معنوي، ويتكون الركن المادي للجريمة من سلوك ونتيجة وعلاقة سببية، والركن المعنوي إما أن يكون العمد في الجرائم المقصودة أو الخطأ في الجرائم غير المقصودة.
وبالحديث عن السلوك الإجرامي الذي يعد أحد أهم عناصر الركن المادي للجريمة، نجد أنه لابد أن يكون نشاط مجرم قانونا بارتكاب فعل أو الامتناع عن فعل كما أوضحه القانون العماني، لذا فهذا النشاط يمكن أن يتم بشكل إيجابي عندما يقوم الشخص بارتكاب فعل نهى عنه القانون، كالقتل والسرقة، وإما بشكل سلبي عندما يمتنع عن القيام بفعل أمر به القانون، كالامتناع عن أداء الشهادة.
ولكن هناك سؤال قد يتبادر إلى الأذهان هل من الممكن أن ترتكب جريمة إيجابية عن طريق الامتناع، فمثلا هل من الممكن أن ترتكب جريمة القتل بالامتناع وبدون أن يقوم الشخص بنشاط إيجابي.
قد نعتقد من الوهلة الأولى أنه من الصعب تحقيق ذلك، ويذهب البعض إلى عدم إمكانية ارتكاب جريمة القتل عن طريق الامتناع لأنه عدم، وهذه الجريمة لا تقع إلا بنشاط إيجابي، ولكن إذا تعمقنا في الامتناع الذي يعتبر سلوك سلبي، سنجد أن هناك امتناع لا يؤدي إلى تحقيق نتيجة معينة وتسمى هذه الجرائم بجرائم السلوك المجرد التي تعتبر فيها الجريمة تامه بمجرد ارتكاب السلوك، كالامتناع عن أداء الشهادة، إلا أنه في بعض الجرائم يؤدي هذا الامتناع إلى حدوث نتيجة، حيث أن هناك نوع من الجرائم يجمع بين السلوك الإيجابي والسلوك السلبي فتسمى الجريمة الإيجابية بطريق الامتناع، لذا يجب أن يؤدي هذا الامتناع إلى حدوث نتيجة حتى يتم المعاقبة عليه.
الجدير بالذكر أن القانون العماني لم يذكر هذا النوع من الجرائم بشكل صريح، حيث نص على أن السلوك يمكن أن يكون إيجابي أو سلبي، ولكن يمكن استنتاجها عن طريق مضمون بعض النصوص، فجريمة القتل مثلا نص القانون على معاقبة كل من قتل انسان عمدا دون تحديد الوسيلة المستخدمة أو طريقة الارتكاب ودون تحديد السلوك المرتكب هل بالإيجاب أم بالامتناع فجاء النص عاما، لأن جريمة القتل تعتبر من جرائم القالب الحر، التي ترتكب بطرق متعددة، ففي الجرائم الإيجابية بطريق الامتناع يعتبر القتل من الأفعال التي نهى القانون عن ارتكابها، ولكن الجاني ارتكب هذه الجريمة عن طريق الامتناع.
وقد يحدث لبس بين هذه الجريمة وجريمة الامتناع عن المساعدة، فهذه الأخيرة تحدث كما نص عليها قانون الجزاء في المادة (226): “عندما يمتنع الشخص عمدا عن تقديم المساعدة لشخص يهدده خطر في نفسه أو ماله أو عرضه، وكان الممتنع عن تقديم المساعدة قادرا عليها، ولا يخشى خطرا على نفسه من تقديمها”، ويكمن الفرق بينهما في أن جريمة الامتناع عن المساعدة من جرائم السلوك المجرد الذي يعاقب فاعلها بمجرد امتناعه عن المساعدة، سواء تحققت نتيجة أم لم تتحقق، حيث لم تشترط المادة سالفة الذكر حدوث نتيجة معينة كالوفاة، بيد أن الجريمة الإيجابية بالامتناع يجب أن تتحقق نتيجة حتى يتم معاقبة مرتكبها.
ويشترط في الجريمة الإيجابية بطريق الامتناع أن يكون هناك واجب قانوني أو التزام شخصي يفرض على الشخص القيام بفعل معين إلا أنه يمتنع عن القيام بهذا الفعل فيؤدي ذلك إلى حدوث نتيجة معينة، مثال على ذلك امتناع الأم عن إرضاع وليدها بقصد وفاته، وكذلك الشخص المكلف برعاية شخص عاجز عن رعاية نفسه فيمتنع عن رعايته بقصد وفاته، ففي هذه الحالات يجب أن تحدث نتيجة وهي الوفاة، بالإضافة إلى وجود علاقة سببية بين الفعل والنتيجة بحيث تكون الوفاة ناتجة عن فعل الامتناع، ويجب كذلك توفر قصد القتل لدى الجاني.
ويبدو أن هناك صعوبة في إثبات هذا النوع من الجرائم، حيث أنه من الصعب إثبات العلاقة السببية بين فعل الامتناع والنتيجة التي حصلت، خصوصا أن النتيجة من الممكن ألا تتحقق في ذات الوقت كالفعل الإيجابي، إضافة إلى الصعوبة في إثبات القصد الجنائي.
وأخيرا، فعلى الرغم من أن الجريمة الإيجابية بطريق الامتناع من الجرائم النادرة الحدوث، إلا أننا لا يمكن إنكار وجودها، ومعاقبة فاعلها حتى ولو ادعى عدم قيامه بنشاط إيجابي، حيث أن مجرد امتناعه عن القيام بفعل يمكن أن يؤدي إلى حدوث الجريمة، والعلة من هذا التجريم هي حماية الحق أو المصلحة الذي يحميها القانون، كالحق في الحياة.