الصحوة – “إذا كان الحلم ترجمة للحياة اليقظة، فإن الحياة اليقظة هي أيضًا ترجمة للحلم”. بهذه الكلمات، عبّر الفنان البلجيكي رينيه ماجريت عن فلسفته الفنية التي جعلته أحد أبرز رموز الحركة السريالية في القرن العشرين. ورغم أنه لم يحظ بالشهرة العالمية إلا في الخمسينيات من عمره، إلا أن إرثه الفني ما زال يُدهش الأجيال حتى اليوم.
ولد ماجريت عام 1898 في بلجيكا لعائلة ثرية، لكنه عانى من صدمة مبكرة عندما أقدمت والدته على الانتحار عام 1912. درس الفن لفترة وجيزة في أكاديمية الفنون الجميلة في بروكسل، لكنه اعتبر الدراسة مضيعة للوقت واتجه لتطوير أسلوبه الخاص. في بداياته، تأثر بحركة التكعيبية التي أطلقها بيكاسو، لكن شغفه بالسريالية ظهر في العشرينيات بعد أن تأثر بكتابات سيغموند فرويد وأفكار الحركة السريالية التي أسسها أندريه بريتون.
وعمل ماجريت خلال تلك الفترة في وظائف بسيطة لتغطية نفقاته، ولكنه كان يقضي وقت فراغه في رسم لوحات أصبحت لاحقًا علامات بارزة في السريالية، مثل “الجوك المفقود” و”القاتل المهدَّد”. استخدم في أعماله عناصر غريبة ومتناقضة، مثل الصخور الطافية والأشياء الجامدة التي تتخذ أشكالاً بشرية، ليخلق عوالم تثير تساؤلات لا إجابات لها، لأن “الغموض”، كما كان يقول، “ليس له معنى، بل هو غير قابل للإدراك”.
ولا يزال رينيه ماجريت يدهش العالم حتى اليوم؛ فقبل أسبوعين، سجلت إحدى لوحاته الشهيرة، “إمبراطورية الأضواء”، رقمًا قياسيًا جديدًا في مزاد نظمته دار “كريستيز” في نيويورك، حيث بيعت بمبلغ مذهل بلغ 121 مليون دولار أمريكي.
وهذا الإنجاز لا يقتصر على كونه الرقم الأعلى لأعمال ماجريت، بل يجعله أيضًا واحدًا من أغلى الفنانين في تاريخ المزادات. اللوحة، التي استغرقت عشر دقائق فقط لتحقيق هذا الرقم، تعد تحفة من سلسلة تحمل الاسم ذاته، وتعكس التناقض الساحر بين ضوء النهار وليل غامض.
والرقم القياسي السابق لماجريت كان عام 2022، عندما بيعت لوحة أخرى من سلسلة “إمبراطورية الأضواء” مقابل 79 مليون دولار أمريكي، ولكن، بيع اللوحة الأخيرة يعكس المكانة الراسخة للفنان البلجيكي في سوق الفن العالمي.
ماجريت لم يكن مجرد رسام، بل كان مبدعًا متعدد الجوانب. في أواخر مسيرته، دخل مجال النحت وأعاد تفسير أعمال فنية شهيرة بأسلوبه الخاص، مثل لوحة “الشرفة” لإدوارد مانيه، حيث استبدل الشخصيات بتوابيت، مما أضفى بعدًا جديدًا ومثيرًا للتفكير.
توفي ماجريت عام 1967، لكن أعماله لا تزال تُعرض في معارض عالمية، من نيويورك إلى موطنه بروكسل. لوحاته مثل “خيانة الصور” و”الابن الإنسان” أصبحت رموزًا للحركة السريالية، وألهمت أجيالًا من الفنانين والمصممين.