الصحوة – د. فايز صبحي عبد السلام تركي
ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الذَّكاء الاصطناعيّ من أبرز الابتكارات التي تسهم بشكل فعّال في تطوير مجالات متعددة، ومن أهمها مجال التَّعليم. ومن المعلوم أنَّ الذَّكاء الاصطناعيّ هو مجموعة من الأنظمة والتقنيات التي تهدف إلى تمكين الآلات من محاكاة القدرات الذهنية البشرية، مثل التعلُّم والتَّفكير وحل المشكلات.
وفي مجال التَّعليم، يُطبَّقُ الذَّكاء الاصطناعيّ من خلال أدواتٍ وبرمجياتٍ ذكية، تهدف إلى تحسين تجربة التعلُّم للطلاب والمعلمين على حدٍّ سواء؛ وذلك من خلال استخدام تقنيات مثل التعلُّم الآليّ (Machine Learning) والتعلُّم العميق (Deep Learning)، حيث يمكن للأنظمة الذَّكية تحليل سلوك الطُّلَّاب وتصميم أدوات تعليمية مبتكرة (الشمري، 2023).
إن استخدام الذَّكاء الاصطناعيّ في التَّعليم يُسْهِم في إنشاء بيئةِ تعلُّمٍ ديناميكية، يمكنها أنْ تكون متكيفة مع احتياجات الطُّلَّاب الفردية، وهو ما يسمح ذلك بتوفير محتوًى تعليميٍّ مخصَّص، يناسب مستوى الطالب، ممَّا يزيد من فعالية عملية التعلُّم، ويعزز من إقبال الطُّلَّاب على التعلُّم (السعدي، 2021). كذلك، يمكن للذكاء الاصطناعيّ توفير أدوات تفاعلية مبتكرة، تساعد في تعزيز المهارات اللُّغوية لدى الطُّلَّاب، بما في ذلك مهارات القراءة والكتابة.
ولعلَّه من المفيد الإشارة أنَّ تطبيقات الذَّكاء الاصطناعيّ تُسهم في تعزيز مهارات القراءة والكتابة لدى المتعلمين من خلال تقديم تصحيحاتٍ تلقائية للأخطاء الإملائية والنَّحوية، بالإضافة إلى تحليل النصوص واقتراح تحسينات عليها. فعلى سبيل المثال، يستخدم تطبيق “قلم” القائم على الذَّكاء الاصطناعيّ لتحسين الكتابة الأكاديمية، حيث يساعد الطُّلَّاب في التَّدقيق اللُّغويّ، ممَّا يرفع من جودة كتاباتهم (الغامدي & الفراني، 2024).
ولمَّا كان من المعلوم أنَّ الذَّكاء الاصطناعيّ أحد أبرز الابتكارات التكنولوجية التي أثَّرت في العديد من القطاعات، وخاصة التَّعليم، فإنَّ استخدامه في التَّعليم يُحسِّن بشكل كبير من جودة التدريس وفعاليته. وتعد مهارات القراءة والكتابة من المجالات التي يمكن أن تستفيد بشكل كبير من هذه التقنيات المتطورة، وما ذلك إلَّا أنَّ العديد من الطُّلَّاب في العالم العربي يعانون من صعوبات تتعلق بالقراءة والكتابة باللُّغة العربية، بسبب تعقيد قواعد اللُّغة واختلاف اللهجات، ممَّا يجعل التَّعليم التقليدي في هذا السياق أقل فعالية. ومع تطور أدوات الذَّكاء الاصطناعيّ مثل أنظمة التعلم الآلي، بات من الممكن توفير حلول تعليمية مخصصة، تلبي احتياجات الطُّلَّاب الفردية، مما يسهم في تحسين مهاراتهم في القراءة والكتابة (السعدي، 2020).
وفي إطار تحسين مهارات القراءة باستخدام الذَّكاء الاصطناعيّ يمكن القول: إنَّ القراءة باللُّغة العربية هي أحد التحديات الرئيسة التي يواجها الطُّلَّاب في الدول العربية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بنطق الكلمات بشكل صحيحٍ وفهم معانيها في سياقات مختلفة. هنا يمكن أنْ يتدخل الذَّكاء الاصطناعيّ، باستخدام تقنيات، مثل التعرُّف على الصوت والتعلم الآلي، على نحو ما سبق، وهو ما يساعد في تحسين مهارات القراءة لدى الطُّلَّاب، من خلال تصحيح الأخطاء وتحليل الكلمات التي يواجه الطُّلَّاب صعوبة في قراءتها. ولما كان ذلك كذلك، فإنَّه تجدر الإشارة إلى أنَّ عدة دراسات قد أشارت إلى الأدوات الذكية مثل “ReadSpeaker” و”قوة القراءة” التي تستخدم تقنيات التَّعرف على الصوت، وكيفية مساعدة الطُّلَّاب في نطق الكلمات بشكل صحيح وتدريبهم على تحسين مستواهم اللغوي (السعدي، 2020).
هذا، وبالإضافة إلى ما سبق، يُمكن لأنظمة الذَّكاء الاصطناعيّ أن تراقب تقدُّم الطالب بشكل مستمر وتحلِّل أنماط القراءة. فعلى سبيل المثال، إذا كان الطالب يواجه صعوبةً في قراءة النصوص الطويلة أو فقرات معينة، يقوم النظام بتوفير تمارين قراءة مخصَّصة، تساعده على تجاوز هذه الصعوبات (الراوي، 2019). وهذه الأنظمة تساعد في تحسين السرعة والدقة في القراءة من خلال تحليل الأخطاء وتصحيحها بشكل تلقائي.
ولمَّا كانت الكتابة باللُّغة العربية تتطلب إتقانًا دقيقًا لقواعد النحو والإملاء، وهذه مهارات تتطلب تدريبًا مستمرًا فقد أصبح بإمكان الذَّكاء الاصطناعيّ من خلال برامجه أن يسهم بشكل كبير في تطوير مهارات الكتابة من خلال أدوات التصحيح التلقائي التي تعتمد على قواعد اللُّغة العربية الدقيقة. فعلى سبيل المثال نشير إلى برامج مثل “إملائي” و”صحح” تلك البرامجُ التي تقدم للطلاب إمكانية تصحيح الأخطاء النحوية والإملائية في النصوص التي يكتبونها بشكل فوريّ، ممَّا يساعدهم على التعلُّم من أخطائهم وتحسين مستواهم الكتابي (العتيبي، 2022).
أضف إلى ذلك أنَّ التقنيات الحديثة لاستخدام الذَّكاء الاصطناعيّ تُسهم في تصحيح الأسلوب الكتابي للطلاب من خلال تحليل الجمل والفقرات وتقديم نصائح لتحسين الأسلوب، مثل اختيار الكلمات الأكثر دقة أو إعادة صياغة الجمل بشكل أكثر سلاسة. وهذا النوع من التصحيح الفوريّ لا يساعد الطُّلَّاب فقط على تعلُّم الكتابة بشكل أفضل، بل يعزِّز أيضًا من قدرتهم على التَّعبير عن أفكارهم بوضوح وفعالية (الراوي، 2019).
والجدير بالذِّكر أنَّ الذَّكاء الاصطناعيّ لا يُحسِّن فقط مهارات القراءة والكتابة، بل يُساعد أيضًا في تخصيص العملية التَّعليمية بالكامل، وذلك من خلال تحليل بيانات الطُّلَّاب، كما أنَّ الذَّكاء الاصطناعيّ يستطيع توفير مسارات تعلم مخصصة تلائم قدرة الطالب، وهو ما يسمح للطلاب بالتعلم بوتيرتهم الخاصة، ممَّا يساعدهم على تجاوز الصعوبات التي يواجهونها في مهارات القراءة والكتابة.
وهنا أُشيرُ إلى أنَّ أنظمة التعلم التكيفي مثل “Knewton” و”DreamBox” تقدِّم محتوى تعليميًّا يتناسب مع مستوى كل طالب بناءً على أدائه في مهام سابقة. فعلى سبيل المثال، إذا أظهر الطالب قدرة محدودة على فهم النصوص المعقدة، فإنَّ النظام يقوم بتقديم نصوص مبسطة تدريجيًّا حتى يصبح الطالب قادرًا على فهم النصوص الأكثر تعقيدًا (السعدي، 2020). وهذا النوع من التَّخصيص يساعد الطُّلَّاب على تحسين مهاراتهم بشكل أسرع وأكثر فعالية، حيث يتيح لهم التدريب المستمر في المجالات التي يحتاجون إليها لا سيَّما القراءة والكتابة.
وبناءً على ما سبق يمكن الانتهاء إلى أنَّ التقنيات المتقدِّمة للذكاء الاصطناعيّ تُظهر كيفية إمكانية تُحسُّن مهارات القراءة والكتابة باللُّغة العربية بشكل فعَّال؛ من خلال أدوات التعرُّف على الصَّوت والتعلُّم الآلي، وأنَّه يمكن تحسين تجربة التعلُّم وتخصيصها لاحتياجات كلِّ طالب، وأنَّه رغم التحديات التقنية والإدارية، فإنَّ الذَّكاء الاصطناعيّ لا يزال يوفر إمكاناتٍ واسعةً لإحداث تطور حقيقيٍّ في التَّعليم العربي، وتحقيق تحسُّن ملموس في مهارات القراءة والكتابة للطلاب (السعدي، 2020).