الصحوة – أريج المهايني
في عصر أصبح فيه الإنترنت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا، برزت تحديات كبيرة على الصعيدين النفسي والاجتماعي، مثل العزلة، تفكك العلاقات الاجتماعية، الإجهاد المعلوماتي، عدم القدرة على التركيز، والتنمر الإلكتروني.
ومع تزايد الاعتماد على الوسائل الرقمية، أصبح التوازن بين العالم الافتراضي والواقعي ضرورة ملحّة للحفاظ على الصحة النفسية، فكيف السبيل إلى الخروج من هذه الدوامة الرقمية؟
يشكل العمل التطوعي جسراً متيناً للخروج من الدائرة الافتراضية إلى دائرة العالم الواقعي النابض بالحياة، حيث يجمع بين الحضور الفعلي والانخراط بكافة الحواس في النشاط التطوعي المُختار.
وهذا التفاعل الإنساني المباشر يؤدي إلى تعزيز الصحة النفسية وكذلك إلى زيادة الإحساس بالاستحقاق المتأتي باستثمار الوقت بطريقة منتجة وفاعلة.
التطوع وتأثيره على الصحة النفسية
وجدت دراسة أُجريت في كلية الطب جامعة نيويوركأن المشاركة في الأعمال التطوعية تعزز شعور الشخص بالارتباط الاجتماعي وتساهم في تقليل معدلات الاكتئاب والقلق ، كما تزيد الشعور بالسعادة والرضا الذاتي.
ويرجع ذلك إلى تحفيز الدماغ على إفراز هرمونات السعادة مثل الأوكسيتوسين، السيروتونين، والدوبامين، والتي تُعزّز الشعور بالإيجابية.
بالإضافة إلى ذلك، أفاد استبيان عملنا عليه في احدى المؤسسات التطوعية( الشبكة العمانية للمتطوعين “تعاون ” )استوضح من خلاله أن العمل التطوعي له دور كبير في إشباع بعض الحاجات النفسية، مثل الحاجة إلى الانتماء وتحقيق الذات، مما يؤدي إلى تحسين الصحة النفسية والصحة البدنية للمتطوعين.
التطوع كحل لموازنة العالم الافتراضي والواقعي
يمكن للتطوع أن يكون بديلاً إيجابياً لتحقيق التوازن بين العالم الرقمي والحياة الواقعية عبر تعويض التفاعل الافتراضي بتواصل حقيقي يعزز الروابط الاجتماعية ويقلل الشعور بالوحدة، كما أنَّ المشاركة في أنشطة عائلية تطوعية تعزز الترابط الأسري وتقوي أواصر المحبة بين أفراد العائلة.
نحو توازن رقمي وإنساني
العمل التطوعي ليس مجرد نشاط خيري، بل هو استثمار في الصحة النفسية ودرع واقٍ من التأثيرات السلبية للإنترنت. ويمكننا من خلال تعزيز ثقافة التطوع، تحويل الوقت الضائع خلف الشاشات إلى فرص لبناء مجتمع أكثر ترابطًا وسعادة وكذلك خلق مساحة تتيح للأفراد تنمية مهاراتهم، وتعزيز شعورهم بالانتماء، والمساهمة في إحداث تغيير إيجابي يُثري حياتهم وحياة من حولهم.
في ظل هيمنة العالم الرقمي على حياتنا، لابدَّ من البحث عن توازن صحي بين التكنولوجيا والتفاعل الإنساني الحقيقي. لا يقتصر العمل التطوعي على تقديم المساعدة للآخرين فحسب، بل يمتد ليكون وسيلة فعالة لحماية صحتنا النفسية وتعزيز مشاعر السعادة والانتماء.
الخاتمة
العطاء ليس مجرد فعل، إنما أسلوب حياة يساهم في بناء أفراد أكثر توازنًا ومجتمعات أكثر تماسكاً.
كما قال رسول الله ﷺ: “خير الناس أنفعهم للناس”